تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وهذا ما جاءت به الطرق للحديث المذكور، فإنه رواه من البصريين: أيوب السخستاني (26)، وهشام بن حسان (27) وعمران بن مسلم القصير (28)، جميعاً عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

واستدل الخطيب لما حسب بقول ابن سيرين: " كل شيء حدثت عن أبي هريرة فهو مرفوع " (29).

وصح عن محمد بن سيرين: أنه كان إذا حدث عن أبي هريرة، فقيل له: عن النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: " كل حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " (30).

قال الطَّحاوي: " وإنما كان يفعل ذلك؛ لأن أبا هريرة لم يكن يحدثهم إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم " (31).

وفي هذا عن ابن سيرين فائدة خاصة، وهي أن الخبر إذا جاء عنه عن أبي هريرة مرفوعاً وموقوفاً، فإن ذلك لا يعد من الاختلاف القادح في صحة الرفع، بل الحكم بالرفع متعين.

المسألة الرابعة: ما لا يقال مثله بمجرد الاجتهاد، فالأصل أن يكون مرفوعاً حكماً.

وذلك كتحديث الصحابي بما لا سبيل إلا معرفته إلا عن طريق الوحي، مع ضميمةِ أن لا يكون الصحابي يحدث بالإسرائيليَّات فيما يمكن أن يكون من أخبار أهل الكتاب مثل: ما يتصل بأخبار السابقين وبدء الخلق ومستقبل الزمان، ومن أشهر من عرف من الصحابة بالتحديث عن أهل الكتاب: عبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو هريرة، وربَّما وقع لغيرهما، خُصوصا من نزل الشام من الصحابة.

ولما كان قد يعسر تبيُّن إن كان الصَّحابي حمل الرواية عن أهل الكتاب، أو كان بتوقيف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أجل أنه ليس لدينا ما يقطع في هذا، إنما هو قائم على المظنة، فالتحري يوجب أن يرد في سياق الخبر قرينة غير ما تقدم تدل على ضعف احتمال أن يكون من أخبار أهل الكتاب.

وذلك كقول أبي سعيد الخدريُّ " من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء الله له من النور ما بينه وبين العتيق " (32).

فأبو سعيد ليس معروفاً بالتحديث بالإسرائيليَّات، وحدث بشيء هو مما اختُصت به هذه الأمة، وهو فضل قراءة سورة الكهف، وهي مما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر البيت العتيق وليس لأهل الكتاب فيه شأن.

ومما يجب أن يحتاط فيه من هذه الصورة.

ما يقوله الصحابي من إثبات تحليل أو تحريم، فمن الناس من يدعي أن له حكم الرفع، وهذا خطأ، فإن الصحابة كانوا يُفتون الناس في الحلال والحرام، وكما وسع من بعدهم من العلماء أن يحلوا ويحرموا باجتهادهم فيما لا نص فيه، فعلماء الصحابة هم سادة المجتهدين لهذه الأمة، وقد سبقوا إلى أن قالوا باجتهادهم فأحلوا وحرموا، واختلفوا في المسائل بسبب ذلك.

المسألة الخامسة: قول الصحابي (أمرنا بكذا .. نهينا عن كذا .. كنا نؤمر بكذا .. كنا ننهى بكذا .. كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نفعل كذا .. كنا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا .. من السنة كذا) وشبه ذلك، فهو حديث مسند مرفوع حكما في قول أكثر أهل العلم، وهو الصواب (33).

وذلك بناء على أن حال ما يحكيه الصحابي من ذلك إنما كان لبيان شرائع الدين، والتبليغ عن النبي صلى الله عليه وسلم، خصوصا ولا يكاد يوجد الشيء من ذلك لا شاهد له من النصوص المسندة صراحة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الخطيب: " والدليل عليه: أن الصحابي إذا قال: أمرنا بكذا، فإنما يقصد الاحتجاج لإثبات شرع وتحليل وتحريم وحكم يجب كونه مشروعا (34).

مثاله: ماحدث به مصعب بن سعد بن أبي وقاص، قال: صليت إلى جنب أبي، فلما ركعت شبكت أصابعي، وجعلتهما بين ركبتي، فضرب يدي، فلما صلى قال: قد كنا نفعل هذا، ثم أمرنا أن نرفع إلى الركب (35).

وذهب بعض أهل العلم، كابن حزم، إلى أن هذه الصورة ليست مسنداً مرفوعاً (36).

واعترض بعضهم باحتمال أن يكون الآمر الناهي من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا ضعيف، فإن الصحابة فيما دل عليه الاستقراء لم يكونوا يستعملون ذلك في أمر أو نهي أوسنة أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير