تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما التأويل المنقاد عند الراغب فهو التأويل المقبول، وهو ما سلم من عيوب التأويل المستكره، وهو مما قد يقع الخلاف فيه بين الراسخين في العلم. وموجبات الخلاف هنا هي غير موجبات الخلاف في التأويل المستكره، ذلك أنها هنا تكون كلها راجعة إلى النص ذاته، في حين نجدها في التأويل المستكره ترجع إلى أسباب منهجية خارجة عن النص، بل تكون مفروضة عليه وليست نابعة منه ولا هو يستدعيها، مما يؤدي إلى مفارقات غريبة في الإستنباط والنتائج. وفي ذلك يقول الأصفهاني: " والمنقاد من التأويل مالا يعرض فيه البشاعة المتقدمة، وقد يقع الخلاف فيه بين الراسخين في العلم لاحدى جهات ثلاث، وإما لاشتراك في اللفظ نحو قوله تعالى: {لا تدركه الأبصار} (1) هل هو من بصر العين، أو من بصر القلب، أو لأمر راجع إلى النظم نحو قوله تعالى: {وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا} (2)، هل هذا الإستثناء مقصور على المعطوف، أو مردود إليه وإلى المعطوف عليه معا. وإما لغموض المعنى، ووجازة اللفظ نحو قوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} (3) " (4).

ومن خلال هذه الدراسة المنهجية والتحليل العلمي للقضايا المشكلة، تبدو لنا الدقة المنهجية في البحث، والخبرة بتحليل النصوص وسبر أغوارها، مما يفصح عما كان يتمتع به الراغب الأصفهاني من عقلية علمية ومنهجية نحن أحوج ما نكون إليها اليوم.

خامسا: مرتكزات التفريق بين نوعي التأويل عند الزركشي (ت 794هـ):

ينص الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن " على أن النهي عن التأويل، إنما اقتصر على المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، وهذا هو السبب الداخلي أي النص الوحيد الذي يعتبره من موانع التأويل، أو من موجبات رده وعدم قبوله بل الأخذ به. وفي ذلك يقول:" النهي إنما انصرف إلى المتشابه منه لا إلى جميعه، كما قال تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه} (1). لأن القرآن إنما نزل حجة على الخلق، فلو لم يجز التفسير لم تكن الحجة بالغة، فإذا كان كذلك جاز لمن عرف لغات العرب، وشأن النزول أن يفسره، وأما من كان من المكلفين ولم يعرف وجوه اللغة فلا يجوز أن يفسره إلا بمقدار ما سمع، فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على سبيل التفسير، فلا بأس به، ولو أنه يعلم التفسير فأراد أن يستخرج من الآية حكمة أو دليلا لحكم فلا بأس به، ولو قال المراد من الآية كذا من غير أن يسمع شيئا فلا يحل، وهو الذي نهى عنه" (2).

ويفهم من النص أن من التأويل ـ وهو الذي يصطلح عليه بالتأويل المردود ـ ما يكون محظورا على أهل الاختصاص ـ أو ما يعرف عند السلف الصالح بأهل الجهة ـ الخوض فيه. ومنه ما يجوز لهم الخوض فيه، ولكنه محظور على العوام ويدخل ضمنهم كل من لم يستكمل شروط المقسر العلمية والدينية.

أما الأسباب المنهجية الخارجية الموجهة لرد التأويل، وعدم الاخذ به فيحصرها الزركشي في سببين:

1 - معارضة القرآن بالرأي والمذهب والهوى. وفيه يقول: فأما التأويل المخالف للآية والشرع فمحظور لأنه تأويل الجاهلين، مثل تأويل الروافض لقوله تعالى: {مرج البحرين يلتقيان} (1) أنهما علي وفاطمة. (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) (2) يعني الحسن والحسين - رضي الله عنهما - وكذلك قالوا في قوله تعالى: {وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل} (3) إنه معاوية وغير ذلك" (4).

2 - الجهل بعلوم اللغة وبعلم أصول الفقه، وفي هذا السبب المنهجي يقول الزركشي: " وإذا تقرر ذلك فينزل قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (من تكلم في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار) (5) على قسمين من هذه الأربعة:

أ- أحدهما: تفسير اللفظ لاحتياج المفسر له إلى التبحر في معرفة لسان العرب.

ب- الثاني: حمل اللفظ المحتمل على أحد معنييه، لاحتياج ذلك إلى معرفة أنواع من العلوم: علم العربية واللغة والتبحر فيهما، ومن علم الأصول ما يدرك به حدود الأشياء، وصيغ الأمر والنهي، والخبر والمجمل والمبين، والعموم والخصوص، والظاهر والمضمر، والمحكم والمتشابه والمؤول، والحقيقة والمجاز، والصريح والكتابة، والمطلق والمقيد" (6).

سادسا: مرتكزات التفريق بين نوعي التأويل عند ابن تيمية:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير