واللام في قوله {ليدبروا} هي لام العلة فهو لن يكون مباركاً مباركة تامة إلا بالتدبر. وقال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلىَ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:24]
فإما التدبر أو الأقفال – وليس قفلاً واحداً- على القلب!
هما طريقان ما للمرء غيرهما ... فانظر لنفسك ماذا أنت تختار
ولذا ذم النبي صلى الله عليه وسلم من قرأ بعض الآيات ولو يتفكر بقلبه، فثبت عند ابن حبان في صحيحه وغيره عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد أنزلت علي الليلة آيات؛ ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها:
{إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} الآيات من آخر سورة آل عمران.
ولعلنا لا نحصي كم سمعنا وقرأنا هذه الآيات، لكن لو تأملنا مليّاً قوله صلى الله عليه وسلم: "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها" لتغيّر الحال، والله المستعان.
وهذا ريحانة القراء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنُ مسعود رضي الله عنه يقول عن القرآن: "قفوا عند عجائبه وحرّكوا به القلوب! ولا يكن هم أحدكم آخر السورة".
وأختم بمحكم من القول للإمام محمد بن الحسين الآجري رحمه الله يقول فيه:"والقليل من الدرس للقرآن مع الفكر فيه وتدبره أحب إلي من كثير من القرآن بغير تدبر ولا تفكر فيه، فظاهر القرآن يدل على ذلك، والسنة وأقوال أئمة المسلمين.
ولذا في مثل هذه المواطن استوقف النفس وحاسبها، وانظر في حال السلف مع القرآن، ثم في حالها هي مع القرآن، قِسْ هذا إلى ذاك وقارِنْ بين الحالين، ثم اختر لنفسك، وفّقك الله لصلاح قلبك.
فيا أخا القرآن؛ إذا أردت أن تفتح صفحات هذا القرآن المجيد؛ فقبل هذا تفقّدْ قلبَك هل فتحت صفحاته أيضاً؟ أم على قلوب أقفالها؟
وفقّك الله لهداه!
سلسلة "مبادئ فهم القرآن" –الحلقة (7): المرحلة الثالثة: كيف نقرأ القرآن؟
من عظيم شأن القرآن عند الذي تكلم به سبحانه؛ أن كيفية القراءة لم تترك لنا، بل جاء القرآن بالكيفية التي تكون عليها قراءته، ومن ذلك:
قوله تعالى: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلاً} [الإسراء:106].
وهو أمر بالمكث وترك العجلة عند القراءة، فعن مجاهد بن جبر –رحمه الله تعالى- سئل عن رجلين أحدهما قرأ البقرة وآل عمران والآخر قرأ البقرة، وقيامهما واحد، وركوعهما وسجودهما واحد، وجلوسهما واحد؛ أيهما أفضل؟
قال: الذي قرأ البقرة وحدها أفضل، ثم قرأ: {وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ}.
فهلاّ استوقفت قلوبَنا أمثال هذه الفتاوى من هؤلاء الأئمة وأيقظتها من غفلتها؟
وقال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلاً} [المزمّل:4].
قال ابن عباس –رضي الله عنهما-: "يقرأ آيتين، ثلاثة، ثم يقطع، لا يُهَذرِم".
وقال مجاهد: "ترسّلْ فيها ترسّلاً". وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر؛
ففي صحيح البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أنه سئل عن قراءة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: "كانت مدّاً" ثم قرأ {بسم الله الرحم الرحيم} يمد "الله"، ويمد "الرحمن" ويمد "الرحيم".
وروى أبو داود والترمذي وغيرهما عن أم سلمة أنها نعتت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم بأنها "قراءة مفسّرة حرفاً حرفاً" [1]. قال الترمذي: حسن صحيح غريب.
وقال قتادة: "بلغنا أن عامة قراءة النبي صلى الله عليه وسلم كانت المدّ".
ومن الأدلة على كيفية القراءة قوله تعالى في سورة القيامة:
{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:16 - 19].
هذه الآيات سبب نزولها معروف، لكنها جاءت في سياق الكلام عن القيامة، فالسباق في يوم القيامة وأهواله وحال الإنسان فيه، واللحاق في العاجلة والآخرة والموت والبعث، فلأي شيء جاءت هذه الآيات الأربع في هذا السياق؟
إنه النهي عن العجلة في القراءة وتحريك اللسان بها سريعاً، خصوصاً في مثل هذه الآيات العظيمات عن مقدمات القيامة وأهوالها.
وأما الآثار عن السلف؛ ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلاً قال له: إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة، فقال:
¥