تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ ... وأدمج في ذلك فضل التوبة والضراعة إلى الله وأنه لولا توبته وضراعته إلى الله وإنعام الله عليه نعمة بعد نعمة لقذفه الحوت من بطنه ميتا فأخرجه الموج إلى الشاطئ فلكان مثلة للناظرين أو حيا منبوذا بالعراء لا يجد إسعافا أو لنجى بعد لأي والله غاضب عليه فهو مذموم عند الله مسخوط عليه. وهي نعم كثيرة عليه إذ أنقذه من هذه الورطات كلها إنقاذا خارقا للعادة

وهذا المعنى طوي طيا بديعا وأشير إليه إشارة بليغة بجملة (لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم)

وطريقة المفسرين في نشر هذا المطوي أن جملة (وهو مذموم) في موضع الحال وأن تلك الحال قيد في جواب (لولا) فتقدير الكلام: لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء نبذا ذميما أي ولكن يونس نبذ بالعراء غير مذموم

والذي حملهم على هذا التأويل أن نبذه بالعراء واقع فلا يستقيم أن يكون جوابا للشرط لأن (لولا) تقتضي امتناعا لوجود فلا يكون جوابها واقعا فتعين اعتبار تقييد الجواب بجملة الحال أي انتفى ذمه عند نذبه بالعراء عليه الصلاة و السلام

ويلوح لي في تفصيل النظم وجه آخر وهو أن يكون جواب (لولا) محذوفا دل عليه قوله (وهو مكظوم) مع ما تفيده صيغة الجملة الاسمية من تمكن الكظم كما علمت آنفا فتلك الحالة إذا استمرت لم يحصل نبذه بالعراء ويكون الشرط ب (لولا) لاحقا لجملة (إذ نادى وهو مكظوم) أي لبقي مكظوما أي محبوسا في بطن الحوت أبدا وهو معنى قوله في سورة الصافات (فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون) وتجعل جملة (لنبذ بالعراء وهو مذموم) استئنافا بيانيا ناشئا عن الإجمال الحاصل من موقع (لولا).

واللام فيها لام القسم للتحقيق لأنه خارق للعادة فتأكيده لرفع احتمال المجاز. والمعنى: لقد نبذ بالعراء وهو مذموم. والمذموم: إما بمعنى المذنب لأن الذنب يقتضي الذم في العاجل والعقاب في الآجل وهو معنى قوله في آية الصافات (فالتقمه الحوت وهو مليم) وإما بمعنى العيب وهو كونه عاريا جائعا فيكون في معنى قوله (فنبذناه بالعراء وهو سقيم) فإن السقم عيب أيضا

وتنكير (نعمة) للتعظيم لأنها نعمة مضاعفة مكررة

وفرع على هذا النفي الإخبار بأن الله اجتباه وجعله من الصالحين

والمراد ب (الصالحين) المفضلون من الأنبياء وقد قال إبراهيم عليه السلام (رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين) وذلك إيماء إلى أن الصلاح هو أصل الخير ورفع الدرجات وقد تقدم في قوله (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين) في سورة التحريم. اهـ]

و لعل السائل الكريم في ضوء تأمله و بحثه عن معنى الآية، قد بدا له توجيه مغاير أو فوائد أخرى خلاف ما تقدم به الاخوة الأفاضل، نأمل منه أن يفيدنا بها مشكورا.

ـ[أبو مالك العوضي]ــــــــ[06 - 08 - 08, 10:41 ص]ـ

إعجاز الآية لا يتوقف على هذا التفسير، فلا يلزم أن نحمل قوله تعالى {للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} على شيء خارق للعادة، وإن كان هذا محتملا، ولكنه ليس احتمالا أرجح من غيره.

وتفسير كلام الله ورسوله على المعروف المعهود أولى وأقرب إلى الإعجاز، بدلا من قصره على أوجه بشرط كونها معجزات.

وكلام العلامة ابن عاشور رحمه الله في حذف جواب (لولا) وأن اللام في (لنبذ) لام القسم، كلام عجيب، لا أدري هل وافقه عليه أحد من المفسرين؟

فالمعروف عند أهل التفسير أن (لنبذ) هي جواب لولا.

وقول ابن عاشور في الآية يشبه من يفسر حديث النبي (لولا قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة .. ) بأن المراد (لولا قومك حديثو عهد بكفر لكان لي معهم شأن. والله لهدمت الكعبة ... ).

فلا يصح في كلام العرب أن يُفصل صدر الجملة عن عجزها ثم يقدر عجزٌ محذوف للصدر، ويقدر صدرٌ محذوف للعجز، إلا إن دل دليل لا يمكن دفعه على هذا.

وحتى لو رجحنا كلام ابن عاشور تنزلا، فلا يصح بوجه أن يقال عن تفسير أهل العلم: إنه ضعيف أو بعيد عن السياق أو فيه تكلف أو غير ذلك من العبارات التي لا تليق بطلبة العلم.

وكذلك التفسير الوارد عن بعض الصحابة في الآية الأولى لا يصح أن يقال إنه ضعيف أو بعيد عن معاني الآيات الجليلة وما تحمله من إعجاز، إلا لو كان المتكلم يرى أنه أعلم من الصحابة بكتاب الله أو أفهم لكلام الله ورسوله منهم.

نعم قد يخطئ الصحابة، وقد يخطئ بعض السلف، ولكن الخطأ وارد علينا أكثر مما يرد عليهم، فحتى لو رجحنا خلاف قول بعضهم فيكون ذلك بالتزام الأدب وعدم الخروج إلى الدعاوى العريضة.

وقوله تعالى: {ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} لا يصح حمله على أن من دخل قبره فلا يمكن (على وجه المعجزة) أن يُخرج منه إلى يوم القيامة، وأن الناس عاجزون عن إخراج الموتى من قبورهم؛ لأن هذا خلاف المشاهدة.

فكذلك قوله تعالى: {للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} يبعد حمله على أن الحوت سيظل على حاله إلى يوم القيامة، فلا يمكن أن يتغير ولا يمكن أن يتهتك بطنه، ولا يمكن أن يغيره أحد، ولا يمكن أن يتحول إلى عظام، إلى غير ذلك من الأمور.

نعم هذا محتمل، ولكن لا يلزم أن نقصر معنى الآية على شيء خارق للعادة إذا أمكن تفسيرها بالمعهود.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير