وكذكر ألفاظ الإنذار في أواخر فاطر ثم أوائل يس.
- ومثل قوله تعالى في آخر ص: {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} [ص: 87]، ثم قوله تعالى في أول لاحقتها الزمر: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [الزمر: 1].
فالكلام في الحالتين عن القرآن الكريم.
- ومثل قوله تعالى في آخر القمر: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر: 55]، ثم قوله تعالى في أول لاحقتها الرحمن: {الرَّحْمَنُ} [الرحمن: 1]. فالرحمن هو هذا المليك المقتدر.
- ومثل قوله تعالى في آخر الواقعة: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، ثم قوله تعالى في أول لاحقتها الحديد: {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الحديد: 1].
فكأن القرآن يقول: إن لم تسبح أيها الإنسان الضعيف فقد سبح من قبلك ما في السماوات والأرض.
- ومثل قوله تعالى في آخر البينة: {جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا .. } [البينة: 8]، ثم قوله تعالى في أول لاحقتها الزلزلة: {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1].
فكأن مقتضى الكلام: جزاؤهم العظيم هذا ستبدأ إرهاصاته إذا بدأت أحداث القيامة وزلزلت الأرض زلزالها.
- ومثل قوله تعالى في آخر الماعون: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: 7]، ثم قوله تعالى في أول لاحقتها الكوثر: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1].
فذكر العطاء مناسب جدًّا بعد ذكر المنع.
· كذلك نجد السور المتشابهة في الافتتاحيات ترتب خلف بعضها البعض مثل الحواميم – وهي السور التي تبدأ بقوله: {حم} – وهكذا .. (1).
* وإنه لعجيب بعد كل هذا الإعجاز البياني في القرآن في الترتيب أن يقول قائل (كينيث وود وارد) في مجلة نيوزويك العدد 87 بتاريخ 12/ 2 / 2002: إن قراءة القرآن كالدخول في جدول ماء، ففي كل آية تقريبًا يمكن للمرء أن يطالعه أمر إلهي، فورة تعبد وصلاة، أو بيان إلهي، أو وصف ليوم القيامة.
أي أنه يقصد أنه ليس هناك أي تناسق بين القرآن الكريم بعضه البعض، والحق أن مبعث اللبس عند هذا الصحفي أن كتابه المقدس عنده قد رُتِّبَ ترتيبًا تاريخيًّا منذ بدء خلق الأرض ثم النبات ثم الشمس!! – كما يقول سفر التكوين في التوراة – ثم آدم ثم أبنائه على الترتيب.
فهو إذًا كتاب تاريخ – والحق أن هذا أيضًا لم يكن دقيقًا ولا علميًّا، فإن أول إنسان على الأرض قطعًا أبعد بكثير من خمسة آلاف عام كما تقول التوراة -.
* إعجاز المناسبة في القرآن الكريم:
فالقرآن بالدرجة الأولى كتاب هداية .. ، وقد رُتِّبَ ترتيبًا موضوعيًّا كما أسلفنا مثل لآلئ العقد الواحد .. سورة بعد سورة، وآية بعد آية، بل ولفظ بعد لفظ.
وهذا علم قديم منذ أبي بكر النيسابوري وابن العربي الذي قال: ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى يكون كالكلمة الواحدة، وكذلك الفخر الرازي والسيوطي والبقاعي الذي أفرد لذلك تفسيرًا كاملًا (نثر الدرر في تناسب الآيات والسور) وممن خاضوا في هذا العلم (علم المناسبة) حديثًا: أبو الأعلى المودودي، وسعيد حوى في تفسيره الأساس حيث يرى مثلًا أن السور السبع اللاحقة بسورة البقرة مفصلة للآيات الأولى فيها، ومنهم كذلك سيد قطب الذي تكلم عن التناسق الفني في القرآن ومنه التسلسل المعنوي بين الأغراض في سياق الآيات والتناسب في الانتقال بين غرض إلى غرض (2).
* و من إعجاز المناسبة ذكر لفظ معين في سورة معينة بمعدل أعلى من بقية السور:
كذكر لفظ الجلالة في سورة المجادلة بمعدل أعلى من بقية السور القرآنية، والذي نراه أن السبب هو أن موضوع السورة هو النجوى – ذكرت فيها بمشتقاتها ست عشرة مرة – و النجوى هي الكلام في السر والسر لا يكون على الله عز وجل لأنه تعالى متواجد معنا، فكما تقول آية كريمة في ذات السورة: { .. مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ
¥