قلت: ونستطيع أن نفهم الجمالين ولكن لا نستطيع أن نعبر عن كليهما بالتماثيل والتصاوير، إذ إنه بالمنطق لا يمكن أن يكون خاضعًا لأدوات النحاتين تمثيلا، ولأقلام وريشات الرسامين توضيحًا وتفصيلا، إلا ما استطاع الإدراك الحسي أن يصل إليه، فالتفاحة في كل العالم وعند كل الرسامين واحدة، تتخذ نفس الشكل المعروف والوضع المألوف، والذين حاولوا رسم الشيطان بتخيلاتهم الداخلية وتحليلاتهم الذهنية ومقارناتهم الوضعية، لم يستطيعوا - ولن يفعلوا - الاتحاد على صورة جامعة أو حتى شبه جامعة، لأن ما يستحيل إدراكه حسًا لا يمكن تصويره فعلا، فبينما تجد أن عبدة الشيطان يمثلون إلههم بأجمل الصور وأبهاها ليقربوه من الذين يريدون اصطيادهم وجلبهم لمربع فكرهم المنحرف، ترى أعداءه وحاذريه يبشّعون الصورة حتى يصلوا بالجميع إلى ضرورة خلعه تمامًا عن الذات العلوية البشرية، ولهذا كان غير جائز بالتلقائية المنطقية أن نخضع الإله لتصويراتنا وتوهماتنا، اللهم إلا بالقول عنه في الإطار الذي وصف به نفسه، بالإضافة إلى أن هذا الأمر من عقيدتنا، فعندنا كسلف لا يجوز التكييف ولا التشبيه ولا التمثيل، ولا حتى التفكير في ذات الله، لأن عقولنا البسيطة الصغيرة لن تستطيع الوصول إليه بالمطلق، والذي يريد أن يريح نفسه هو من يفرك في آلاء ونعمائه كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في وصاياه لأمته، وخاصة القوم الذين رآهم يسعون لتحيد كنه الإله بتشبيهات بشرية وتقسيمات عضوية لا تنبغي بحال. ويرى الفيلسوف بريون أن تشخيص الآلهة فيه استخفاف لقيمتها، فما بالك عندما يتعلق الأمر برب الأرباب وخالق الكل، تعالى الله عما يصفون علوًا كبيرًا.
المطلب الرابع/ الفلسفة الجمالية عند الراشد:
أما الآن فسوف نعرض لمفهوم الفلسفة الجمالية عند أحمد الراشد باعتباره أحد أقطاب فقه الدعوة الإسلامية والحركية في كتابه (في آفاق الجمال).
تعريف بسيط بالكتاب: هو كتاب ماتع يدعو فيه المؤلف دعاة العصر إلى عدم إغفال الجوانب الفنية من خط ورسم ونحت وزخرفة - فيما لا يتعارض مع الشرع - واستغلال ذلك كله في الدعوة إلى الله تعالى، وسوف نجمل كلامه على هيئة نقاط من غير تقسيمه إلى مباحث:
1. عند الراشد: عنوان الجمال والجمال الآكد ومتعة الحياة حقًا بالنظر إلى أجمل ما خلق الله على وجه الأرض: الجواد العربي الأصيل. (19) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn20)
2. لا يستطيع العصاة الحائدون عن درب النبي صلى الله عليه وسلم إدراك آفاق الجمال التي حصّلها الصحابة بنظرهم إلى مصدر الجمال وآثار الجمال، لأن المعصية تشكل حجابًا مستورًا عن التمتع بحقيقة الجمال (20) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn21). ( ومن سار على الدرب وصل).
3. معالجة الشيء بالود والحب يقود إلى تكوين الجمال في الذات التي تسمو إلى هذا المستوى الصافي الراقي الرقراق. (21) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn22)
4. الشاب الذي يرتبط بالله تعالى ويدخل إليه من باب الدعوة إليه تراه أدركَ للجمال وأبرزَ لمعانيه وتجلياته وأسرعَ للانضواء تحت لواء الألمعية والمنطقية والتوسعية المعرفية، وغيره من أهل البطالة ورفقة الدناءة بعيد عن هذا كل البعد. (22) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn23)
5. الجمال يمنح صاحبه وأهيله: التوسط والسماحة والابتسامة الدائمة، كما يجعله من أخدان الدقة والتخطيط والنظام الحيوي، ينتهج التدرج كوسيلة تكاملية، ويمتطي صهوة الإبداع في التفكير. (23) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn24)
6. الخط العربي الأصيل يطبع جماله روح الاستقرار والهدأة النفسية لدى العربيّ، سواء أجاد الخط أم لم يجد، ولكن المجيد أقدر على الغوص في معاني الحرف، والعيش نقطة بأختها مع يد الخطاط التي تبدع اللوحة الفنية الجمالية.
7. تعجبك الروعة الراشدية واللمسة الجمالية لدى صاحبها عند شرح روعة الخط العربي وخاصة الثلث، لتعلم كم كان متقنًا هذا الرجل في تذوق الخط وجماله، حتى استطاع أن يفهم فقه الدلالة الحرفية بعد الاستمتاع بالخط فهو يقول: (والثلث منه بخاصة، بما يتيح من تركيب وتداخل، وألفات تقف شامخة، تذكرك سيوف الجهاد تتدلى من أواسط نفر شجعان ضمهم صف الصلاة، وعيون تبتهل، وحاءات تفهمك فقه السجود!! (24) ( http://www.ahlalhdeeth.com/vb/#_ftn25) ).
¥