تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلّق سِيْبَوَيْهِ على الآية، بقوله: «فلو كان كلّه رفعاً كان جيّداً، فأمّا {الْمُؤْتُونَ} فمحمول على الابتداء» [9]، وذكر من قبيل ما نحن بصدده هَذِهِ الآية: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ} [10].

ثُمّ قال [11] «ولو رفع {الصَّابِرِينَ} على أوّل الكلام كان جيّداً, ولو ابتدأته فرفعته على الابتداء كان جيّداً، كما ابتدأت في قوله: {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [12]» , ونظيرُ هَذَا من الشّعر قولُ الشّاعر [13]:

وَكُلُّ قَوْمٍ أَطَاعُوا أَمْرَ مُرْشِدِهِمْ ............ إِلاَّ نُمَيْرَاً أَطَاعَتْ أَمْرَ غَاوِيْها.

الظَّاعِنِيْنَ، وَلَمَّا يُظعنوا أَحَدَاً ............ وَالقَائِلُونَ لِمَنْ دَارٌ نُخَلِّيْهَا.

فَرَفْعُ "القائلونَ"، كَرَفْعِ {الْمُؤْتُونَ}.

وَعَلَى هَذَا الوَجْهِ يَجِبُ أَنْ يكونَ الخبرُ قولَهُ: {يُؤْمِنُونَ} [14] , ولا يجوزُ أَنْ يكونَ قوله {أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ}؛ لأَنَّ القطع إِنَّمَايكون على تمام الكلام [15] , وحكى ابن عَطِيَّة عن قوم مَنْعَ نصبِهِ على القطع من أجل حرف العطف, والقطعُ لا يكون في العطفِ, إِنَّمَا ذَلِكَ في النعوتِ, وردّ هَذَا القول بقول الخِرْنِق [16]:

لا يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِيْنَ هُمُ ............. سَمُّ العُدَاةِ وَآفَةُ الجُزْرِ.

النَّازِلِيْنَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ ............. وَالطَّيِّبُونَ مَعَاقِدَ الأُزْرِ. [17]

وَكَذَلِكَ فقد ذكر الرَّازِيّ [18] أَنَّ الكِسَائِيّ قد طعن في تقدير الآية «أخصُّ مِنْهُمُ المقيمين الصلاة, وهم المؤتون الزكاة» [19]؛ لأَنَّ قوله {لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} منتظر للخبر, والخبر هو قوله: {أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} , وهو مردود لأنّا بيّنّا أَنَّ الخبر هو قوله {يُؤْمِنُونَ}.

ومن الجدير ذكره أَنَّ الشَّيْخَ الشَّعْرَاوِيَّ مِنَ المُحْدَثِيْنَ، قَدْ مَالَ إلى تسمية هَذِهِ الظَّاهِرة بـ "كسر الإعراب"؛ «لأنّ الإعراب يقتضي حكماً, وهنا نلتفت لكسر الحكم, والأذن العَرَبِيَّة الَّتِي نزل فيها القرآن وطبعت على الفصاحة، تنتبه لحظة كسر الإعراب» [20]، وإِنَّمَاجاء ذَلِكَ ليلفت السمع، ومِنْ ثَمَّ الإدراك إلى أَهَمِّيَّة هَذِهِ العبادة.

وَعَلَى هَذَا الوجه الإعرابيّ الأَوَّل يكون التَّقْدِيْر العامّ للآية الكريمة: «لَكِنِ الرّاسخونَ في العلم مِنْهُمْ والمؤمنون، يؤمنون بما أُنْزِلَ إليك وما أُنْزِلَ من قبلك»، وذَلِكَ على عدِّ {الرَّاسِخُونَ} مبتدأ وجملة {يُؤْمِنُونَ ... } هي الخبر، ثُمّ يأتي القطع على تخصيص المدح والتعظيم؛ أي "وأعني المقيمين الصلاة" [21]، ثُمّ يأتي القطع مرّة أخرى, فيبدأ بمبتدأ محذوف الخبر [22]، والتَّقْدِيْر "المؤتون الزّكاة كَذَلِكَ", وَبِذَلِكَ تكون جملة (أعني المقيمين الصّلاة) اعتراضيّة بين الجملتين الاسميّتين المتعاطفتين [23] , ثُمّ تأتي الجملة الاسميّة الجديدة (والمؤمنون بالله واليوم الآخر) وخبرها قوله {أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} [24].

والوجه الثَّانِي: أَنْ يكون معطوفاً على الضّمير في: {مِنْهُمْ}، ويكون بِذَلِكَ {وَالْمُقِيمِينَ} في موضع خفض [25]؛ أي «لَكِنِ الرّاسخونَ في العلم مِنْهُمْ ومن المقيمين الصلاة» [26] , فبتغيُّرِ الإعرابِ تغيَّرَ المعنى كما هو واضح من تغيُّرِ الدَّلالات وتنوّع الوجوه واختلاف التَّقْدِيْرات وتضارب التَّأوِيلات.

والوجه الثَّالِث: أَنْ يكون معطوفاً على "الكاف" في "إليك" [27] , ويكون بِذَلِكَ {الْمُقِيمِينَ} في موضع خفض أَيْضَاً كسابقه على المستوى الإعرابيّ, إِلاَّ أَنَّهُ يختلف عنه في المعنى؛ إذ التَّقْدِيْر «يؤمنون بما أنزل إليك, وإلى المقيمين الصلاة, وهم الأنبياء» [28].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير