[40] القيسيّ, مكّيّ بن أبي طالب, مشكل إعراب القرآن, ج1, ص212.
[41] القُرْطُبِيّ, أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّد, الجامع لأحكام القرآن, مج3، ج6, ص12.
[42] المصدر السّابق، مج3، ج6, ص12.
[43] الزّركشيّ, بدر الدِّين محمّد, البُرهان في علوم القرآن, ج1, ص41.
يتبع إن شاء الله تعالى
ـ[أبوعمار السوري]ــــــــ[03 - 08 - 09, 02:59 ص]ـ
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
ومن الآيات الَّتِي لعُلَمَاء النَّحْو الفضلُ في تفسيرِها، وتأويلِها، وإيضاحِها -دفعاً لما يتوهّمه البعض عمداً منهم فهم في قرارة نفسهم يعلمون ولكنّهم يريدون تخريب عقول المسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً- قوله تعالى:
{لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} [1]
فمجيء {الْمُقِيمِينَ} بالياء خلافاً لنسق ما قبله لفتَ أنظار النَّحْوِيِّيْنَ والمُفَسِّرِيْنَ والقُرّاء، فأكثروا القول في توجيهه، مع إجماعهم على صحّته، وَمِنْ هُنَا اختلفت آراؤهم فيه، وسأقتصر على ذكر ما قلّ ودلّ منها، توخّياً للإيجاز المفهم؛ مجملاً أقوال النَّحْوِيِّيْنَ في ستّة أقوال:
أظهرها: أَنَّهُ منصوب على القطع -وهو مذهب سِيْبَوَيْهِ [2]، وعزاه أبو البقاء [3] للبَصْرِيِّيْنَ-ويعني المفيد للمدحِ [4]، كما في قطع النعوت، وَعَلَى هَذَا الوجه الإعرابيّ يكون المعنى بيان فضل الصّلاة [5]، وقال سِيْبَوَيْهِ في باب "ما ينتصب في التّعظيم والمدح": «إِنْ شئت جعلته صفة فجرى على الأول، وَإِنْ شئت قطعته فابتدأته ... ولو ابتدأته فرفعته، كان حسناً» [6]، واستشهد على ذَلِكَ بقول الأخطل [7]):
نَفْسِي فِدَاءُ أَمِيْرِ المُؤْمِنِيْنَ إِذَا ............ َبْدَى النَّوَاجِذَ يَوْمٌ بَاسِلٌ ذَكَرُ.
الخَائِضُ الغَمْرَ، وَالْمَيْمُونُ طَائِرُهُ ........... خَلِيْفَةُ اللهِ يُسْتَسْقَى بِهِ المَطَرُ. [8]
وعلّق سِيْبَوَيْهِ على الآية، بقوله: «فلو كان كلّه رفعاً كان جيّداً، فأمّا {الْمُؤْتُونَ} فمحمول على الابتداء» [9]، وذكر من قبيل ما نحن بصدده هَذِهِ الآية: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ} [10].
ثُمّ قال [11] «ولو رفع {الصَّابِرِينَ} على أوّل الكلام كان جيّداً, ولو ابتدأته فرفعته على الابتداء كان جيّداً، كما ابتدأت في قوله: {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [12]» , ونظيرُ هَذَا من الشّعر قولُ الشّاعر [13]:
وَكُلُّ قَوْمٍ أَطَاعُوا أَمْرَ مُرْشِدِهِمْ ............ إِلاَّ نُمَيْرَاً أَطَاعَتْ أَمْرَ غَاوِيْها.
الظَّاعِنِيْنَ، وَلَمَّا يُظعنوا أَحَدَاً ............ وَالقَائِلُونَ لِمَنْ دَارٌ نُخَلِّيْهَا.
فَرَفْعُ "القائلونَ"، كَرَفْعِ {الْمُؤْتُونَ}.
وَعَلَى هَذَا الوَجْهِ يَجِبُ أَنْ يكونَ الخبرُ قولَهُ: {يُؤْمِنُونَ} [14] , ولا يجوزُ أَنْ يكونَ قوله {أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ}؛ لأَنَّ القطع إِنَّمَايكون على تمام الكلام [15] , وحكى ابن عَطِيَّة عن قوم مَنْعَ نصبِهِ على القطع من أجل حرف العطف, والقطعُ لا يكون في العطفِ, إِنَّمَا ذَلِكَ في النعوتِ, وردّ هَذَا القول بقول الخِرْنِق [16]:
لا يَبْعَدَنْ قَوْمِي الَّذِيْنَ هُمُ ............. سَمُّ العُدَاةِ وَآفَةُ الجُزْرِ.
النَّازِلِيْنَ بِكُلِّ مُعْتَرَكٍ ............. وَالطَّيِّبُونَ مَعَاقِدَ الأُزْرِ. [17]
¥