فإن رواية يعقوب بن شيبة وابن أبي خيثمة وابن محرز وعبد الله بن شعيب الصابوني على التضعيف، ورواية المفضل بن غسان الغلابي ومعاوية بن صالح على أنه صالح -وسبق تفسيرها-.
وقد خلص إلى هذا -فيما يظهر- ابن حجر، فقال -في تغليق التعليق (3/ 282) -: " لينه ابن معين ".
5 - وقال أبو زرعة -كما في الجرح (7/ 151) -: " صدوق، فيه لين "، وهذه الكلمة وإن كان ظاهرها اعتبار كثير صدوقًا، إلا أن أبا زرعة لم يغفل جانب الضعف فيه، فغمزه باللين.
6 - وقال الحاكم -في المستدرك (1/ 47) -: " فأما الشيخان؛ فإنهما لم يخرجا عن كثير بن زيد، وهو شيخٌ من أهل المدينة، من أسلم، كنيته أبو محمد، لا أعرفه بجرحٍ في الرواية، وإنما تركاه لقلة حديثه "، وقد تعقبه الشيخ الألباني بأنه وُثق وضُعف ومُشِّي -كما تراه في السلسلة الصحيحة (6/ 283) -.
وقال الحاكم أيضًا -في المستدرك (1/ 217) -: " كثير بن زيد وأبو عبد الله القراظ مدنيان لا نعرفهما إلا بالصدق ".
7 - وقال ابن القطان -في بيان الوهم (5/ 211) - في حديثٍ: " وينبغي أن يُقال فيه: حسن، لِمَا بكثير بن زيد من الضعف، وإن كان صدوقًا ".
وإن كان قال في موضع آخر -في البيان (4/ 644) -: " ضعيف ".
8 - ابن عبد الهادي، قال -في التنقيح (4/ 595) -: " صدوق، وقد تكلم فيه بعض الأئمة ".
9 - ابن حجر، قال -في تغليق التعليق (3/ 282) -: " وكثير بن زيد أسلمي، لينه ابن معين وأبو زرعة والنسائي، وقال أحمد: ما أرى به بأسًا، فحديثه حسن في الجملة ... ".
وهذان الإمامان وإن خلصا إلى أنه صدوق، فقد بيّنا أنه مغموز مُضعَّف.
وكل من تقدم أقوالهم أئمة في هذا الباب مما لا يدع مجال للشك أن ما وصل إليه الشيخ من أن كثير بن زيد صدوق على أقل أحواله و كلام راجح.
قد ذكرتَ أقوال من قوّى كثيرًا، وزدتُك منها شيئًا، فلننظر في أقوال من ضعفه:
1 - فقد نقل ابن جرير الطبري تضعيفه عن جماعة من أئمة الحديث، قال -كما في تهذيب التهذيب (8/ 371) -: " وكثير بن زيد عندهم ممن لا يحتج بنقله ".
2 - وضعفه يحيى بن معين -كما سبق-.
3 - وقال ابن المديني -كما في سؤالات ابن أبي شيبة (ص95) -: " هو صالح، وليس بالقوي "، وهذا يؤيد تفسير إطلاق " صالح " بالضعف غير الشديد، الذي يعتبر برواية من وقع عليه.
4 - وقال أبو حاتم -كما في الجرح (7/ 151) -: " صالح، ليس بالقوي، يكتب حديثه "، ولاحظ الاتفاق أو شبهه بين كلمتي الحافظين الإمامين ابن المديني وأبي حاتم.
5 - وقال يعقوب بن شيبة -كما في تاريخ دمشق (50/ 25) -: " كثير بن زيد ليس بالساقط، وإلى الضعف ما هو ".
6 - وقال النسائي -في الضعفاء (505) -: " ضعيف ".
7 - وقال ابن حبان -في المجروحين (2/ 222) -: " كان كثير الخطأ على قلة روايته، لا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد ".
8 - وذكر ابن عبد البر -في التمهيد (21/ 14) - حديثًا فيه كثير، ثم قال: " إسناده ليس بالقوي "، وأغلب الظن أن سبب ذلك عنده: كثير.
9 - قال الحافظ عبد الحق الإشبيلي -في الأحكام الوسطى (3/ 275) -: " وهو ضعيف عندهم، وإن كان قد روى عنه جلة ".
10 - وذكره ابن الجوزي في الضعفاء (3/ 22).
11 - وضعفه المنذري -كما في عون المعبود (14/ 54) -.
12 - وذكره الذهبي في المغني في الضعفاء، وفي ديوان الضعفاء.
13 - وقد كان الحافظ البزار قال -كما في البدر المنير (2/ 78) -: " روى عنه جماعة من أهل العلم، واحتملوا حديثه ". وهذه الكلمة يقرنها البزار كثيرًا بقوله في بعض الرواة: " لين الحديث "، و " ليس بالقوي "، و " لم يكن بالحافظ "، ونحوها، وقالها في الثقة ومن لم يكن به بأس عنده، ويشبه أحيانًا أن يكون مقصوده أن الرواة كتبوا حديث الرجل، ولم يتركوه لشدة ضعف ونحوه، بل احتملوه فرووا عنه. وانظر: شفاء العليل للسليماني (ص147).
والحاصل أن هذه ليست كلمة تعديل من البزار، بل هي إلى الجرح أقرب، والله أعلم.
فانظر كيف اجتمع أكثر أئمة الحديث وأكبرهم وصيارفته ونقاده العظام على تضعيف كثير بن زيد!
وهذا يبيّن بجلاء أن كثيرًا ضعيف، وأنه إنما وثقه بعض الأئمة أو قوى أمره لأنه لم يكن شديد الضعف، بل هو محتمل، يعتبر به ويستشهد، إلا أنه لا يحتج به ولا يقبل عند تفرده.
وما أجمل ما قاله الحافظ يعقوب بن شيبة -وكلماته كثيرًا ما تكون مبيّنة لكلمات الأئمة وملخّصة لها-: " كثير بن زيد ليس بالساقط، وإلى الضعف ما هو ".
والله أعلم.
وأما قولك:
و لما رأيت أن أمر الرد يطول حيث أنكم قد أسهبتكم رأيت أن نجمل القول و نقول بتوفيق الله أن الحديث قد بدى حسنه ولا ريب في ذلك و ذاك ما يوضح ذلك لكل من يقرأ هذه الصفحة!!!
فغفر الله لك، فإن أمامك صفحاتٍ مسطرة بالدليل والبرهان، وشطبتها هكذا بجرة قلم!!
فإما أن يُردَّ على الدليل والبرهان بما يبطله في نظر العارفين، وإلا فالحق حيث كان الدليل قائمًا.
ويتضح لكل من يطلع على هذا الجدول ما قلت من أن الحديث حسن لغيره على أقل أحواله كما رام الشيخ - حفظه الله و جزى الإسلام عنه خيرا - أن يوضح كما ذكر في المقدمة
لم يظهر الجدول، حتى بعدما وضعته مرة أخرى.
ولا أدري كيف سيثبت جدولٌ أن حديثًا حسنٌ لغيره.
و نسأل الله أن يجزي أخانا محمد عبدالله خير الجزاء و أن يجعل كل ما يكتب في هذا الموضوع وكل من ينتفع من هذا الموضوع في ميزان حسناته
و في الختام أسأل الله أن يجعل ما قلناه زادا إلى حسن المصير إليه و عتادا إلى يمن الوقوف بين يديه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا و نعم الكيل وصلى الله و سلم على سيدنا محمد و الحمد لله رب العالمين.
آمين، وبارك الله فيك.
ولما أنتهيت إلى أن الحقيقة في هذا الحديث أنه حسن لغيره " على أقل أحواله " رمت إيضاح ذلك للقاصي و الداني فهذه الحقيقة الواضحة لأي متبصر ولكن
" أنلزمكموها وأنتم لها كارهون "
سبق أن الحقيقة تتضح لأي متبصر بدليلها وبرهانها، لا بالدعاوى:
والدعاوى ما لم يقيموا عليها ... بيّناتٍ أصحابها أدعياءُ
والله أعلم.
¥