عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ " قَالَ أَبُو عِيسَى وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ}.
أقول: كلام الترمذي عقب هذا الحديث هكذا: {هذا حديث حسن وقد رواه حياة بن شريح عن أبي هانئ الخولاني} ولا دخل لرشدين في هذا الإسناد أو الحديث. فالكلام كان فيمن قال الترمذي عقب حديثهم: {هذا حديث حسن غريب ولا نعرفه إلا من هذا الوجه}.
وأنا بعد بحث شديد في سنن الإمام الترمذي بتحقيق الشيخ الألباني والشيخ أحمد محمد شاكر لم أقف على حديث رشدين فيما قال الترمذي عقبه: {هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه} بل كان جارياً على تضعيف ما تفرد به رشدين.
أما بالنسبة إلى ابن لهيعة فلا بد من البحث والدراسة أيضاً. فإني وجدت الترمذي جارياً في " سننه " على تحسين ما يستغربه من حديث قتيبة عن ابن لهيعة إلا إذا خالف ابن لهيعة – في السند أو المتن - من هو أوثق منه أو كان هناك علة أخرى في سند رواية ابن لهيعة. فابن لهيعة ضعيف عند الترمذي من قبل حفظه (وهذا لأجل إحتراق كتبه)، غير أن رواية قتيبة عنه هي كرواية العبادلة عنه كما بينه الإمام الذهبي والشيخ الألباني في غير ما موضع من " السلسلة الصحيحة ". فلعل لأجل ذلك حسن الترمذي أحاديث ابن لهيعة من رواية قتيبة عنه.
ومثال ذلك أنه قال: {حدثنا قتيبة حدثنا بن لهيعة عن يزيد بن عمرو عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد الفهري قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ دلك أصابع رجليه بخنصره قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث بن لهيعة}، فقد حسنه وهو لا يعرفه إلا من حديث ابن لهيعة.
ولكن أنه بعد أن روى حديثاً: {حدثنا محمد بن بشار ومحمد بن المثنى قالا حدثنا وهب بن جرير حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله قال ... } وحسنه، قال: {وقد روى هذا الحديث بن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن أبي قتادة انه: رأى النبي صلى الله عليه وسلم يبول مستقبل القبلة حدثنا بذلك قتيبة حدثنا بن لهيعة وحديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أصح من حديث بن لهيعة وبن لهيعة ضعيف عند أهل الحديث ضعفه يحيى بن سعيد القطان وغيره من قبل حفظه}. فقد ضعف حديث ابن لهيعة من رواية قتيبة لأن ابن لهيعة خالف – في السند هنا - من هو أوثق منه.
أما الأمثلة والجواب عنها:
المثال الأول) {حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ الْفِهْرِيِّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَوَضَّأَ دَلَكَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ بِخِنْصَرِهِ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ. تعليق: انظر كيف ذكر انه تفرد به ابن لهيعة وهو ضعيف عنده ثم حسن معنى الحديث}
أقول: حسنه لأنه من رواية قتيبة عنه ولم يخالف ابن لهيعة - عند الترمذي – أحداً وليس في السند علة أخرى عنده.
المثال الثاني) {حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ}
أقول: حسنه لأنه من رواية قتيبة عنه ولم يخالف ابن لهيعة - عند الترمذي - أحداً.
المثال الثالث) {حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وانظر كيف استغرب سند هذا الحديث الذي تفرد به ابن لهيعة ولم يحسنه}.
أقول: بل حسنه كما هو واضح.
المثال الرابع) {حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَمَتَ نَجَا قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ}.
أقول: في تحفة الأحوذي (ج 7 ص 172) للمباركفوري قال الترمذي: {هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة} وليس فيها كلمة " غريب ". وهكذا جاء بدون كلمة " غريب " في سنن الترمذي بتحقيق الشيخ عبد الرحمن محمد عثمان. فإذا كان كذلك، فالترمذي لم يحسنه كما لم يضعفه. أما في نسخة الشيخ أحمد محمد شاكر فكلمة " غريب " موجودة، والله أعلم.
هذا، وقال الحافظ في عطية: {وحسن له الترمذي عدة أحاديث، بعضها من أفراده} (نتايج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار ج 1 ص 267). أما الحافظ ابن رجب رحمه الله، فعطية عنده ضعيف مطلقاً بلا شك وريب، غير أن كلامه بالنسبة إلى تدليس عطية هو كلام متين قوي عندي. فإنه بعد أن نقل قصة الكلبي مع عطية العوفي قال: {ولكن الكلبي لا يعتمد على ما يرويه. وإن صحت هذه الحكاية عن عطية، فإنما يقتضي التوقف فيما يحكيه عن أبي سعيد من التفسير خاصة. فأما الأحاديث المرفوعة التي يرويها عن أبي سعيد، فإنما يريد أبا سعيد الخدري، ويصرح في بعضها بنسبته} (راجع شرحه على كتاب علل الترمذي ج 2 ص 691 تحقيق الدكتور نور الدين عتر). وقلت في المشاركتي السابقة: وأنا - حتى الآن- لم أر أحداً ردّ على الحافظ ابن رجب.
¥