قُلْتُ: وَسَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضَّبِّيُّ سَعْدَوَيْهِ ثقَةٌ حَافِظٌ مُكْثِرٌ. قَالَ أبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَلَعَلَّهُ أَوْثَقُ مِنْ عَفَّانَ وَقَالَ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ جَزَرَةٌ عَنْهُ: مَا دَلَّسْتُ قَطُّ، لَيْتَنِي أُحَدِّثُ بِمَا قَدْ سَمِعْتُ , قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: حَجَجْتُ سِتِّينَ حَجَّةً.
وَأبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ، لا يُسْئِلُ عَنْ مِثْلِهِ!. وَمُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ الْمُكَتِّبُ أبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ. سَمِعَ: أَبَا زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ وَارَةَ. وَعَاشَ ثَمَانِيَاً وَتِسْعِينَ سَنَةً. رَوَى عَنْهُ: أبُو عَبْدِ اللهِ الْحَاكِمُ، وَأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، قَالَهُ الذَّهَبِيُّ «تَارِيْخُ الإِسْلامِ» (25/ 307).
وَإِنَّمَا الْعِلَّةُ فِي هَذِهِ الْمُتَابَعَةِ: أبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ صَاحِبُ «حَقَائِقِ التَّفْسِيْرِ».
قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ: َفِي تَصَانِيْفِهِ أَحَادِيثٌ وَحكَايَاتٌ مَوْضُوعَةٌ، وَفِي «حَقَائِقِ التَّفْسِيْرِ» أَشْيَاءُ لاَ تسوَغُ أَصْلاً، عَدَّهَا بَعْضُ الأَئِمَّة مِنْ زَنْدَقَةِ البَاطِنيَّة، وَعَدَّهَا بَعْضُهُم عِرْفَاناً وَحَقِيْقَةً، نَعُوْذُ بِاللهِ مِنَ الضَّلاَلِ، وَمِنَ الكَلاَمِ بِهَوَىً، فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّ الْخَيْرِ فِي مُتَابَعَةِ السُّنَّةِ، وَالتَّمَسُّكِ بِهَدْي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ.
وَقَالَ: وَ «حَقَائِقُهُ» قَرْمَطَةٌ، وَمَا أَظُنُّهُ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ، بَلْ يَرْوِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الرَّازِيِّ الصُّوْفِيِّ أَبَاطِيلَ وَعَنْ غَيْرِهِ.
قَالَ الإِمَامُ تَقِيُّ الدِّيْن ابْنُ الصَّلاَح فِي «فتَاويه»: وَجَدْتُ عَنِ الإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الوَاحِدِيِّ الْمُفَسِّرِ رَحِمَهُ اللهُ أَنَّهُ قَالَ: صَنَّفَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ «حَقَائِقِ التَّفْسِيْرِ»، فَإِنْ كَانَ اعتَقَدَ أَنَّ ذَلِكَ تَفْسِيْرٌ فَقَدْ كَفَرَ اهـ.
وَقَالَ: فَيَالَيْتَهُ لَمْ يُؤَلِّفْهُ، فَنَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الإِشَارَاتِ الْحَلاَّجِيَّةِ، وَالشَّطَحَات الْبِسْطَامِيَّةِ، وَتَصَوُّف الاَتْحَادِيَّةِ، فَوَاحُزْنَاهُ عَلَى غُرْبَةِ الإِسْلاَمِ وَالسُّنَّةِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى «وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيْمَاً فَاتَّبعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيْلِهِ» [الأَنْعَامُ: 135].
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ مُتَابَعَةُ سَعْدَوَيْهِ الثِّقَةِ الثَّبْتِ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ السُّلَمِيِّ، فَلا عِبْرَةَ بِهَا، وَلا نُعْمَى عَيْنٍ. وَقَدْ ثَبَتَتْ صِحَّةُ الْحَدِيثِ بِلا افْتِقَارٍ إِلَى الْمُتَابَعَاتِ الْوَاهِيَةِ.
فَإِذَا بَانَ ذَلِكَ: عَلِمْتَ أَنَّ تَعْصِيبَ الْجِنَايَةِ بِرَوْحِ بْنِ أَسْلَمَ أَبِى حَاتِمٍ الْبَاهِلِيِّ، الَّذِي ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، غَفْلَةٌ عَنِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الثَّابِتَةِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ، وَعَلِمْتَ كَذَلِكَ أَنَّ رَوْحَاً لَمْ يَتَفَرَّدْ، بَلْ رَوَاهُ عَنْ أَبِى طَلْحَةَ الرَّاسِبِيِّ جَمَاعَةٌ: أَوْثَقُهُمْ وَأَثْبَتُهُمْ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ الْبَصْرِيُّ، وَكَفَى بِهِ حُجَّةً.
وَإِنَّمَا قَالَ أَبُو عِيسَى «حَسَنٌ غَرِيبٌ» لأَنَّهُ مِمَّا يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ «رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوُهُ»، وَإِنَّمَا اسْتَغْرَبَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِتَفَرُّدِ أَبِى طَلْحَةَ الرَّاسِبِيِّ بِهِ. فَقَدْ رُوِي عَنْ: أَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.
يُتْبَعُ بِتَوْفِيقِ اللهِ وَعَوْنِهِ.
ـــ هَامِشٌ ـــ
[بَيَانٌ] قوله «تِجْفَافًا» بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ: أَيْ دِرْعَاً وَجُنَّةًٍ. وَهُوَ شَيْءٌ يُلْبَسُ عَلَى الْخَيْلِ عِنْدَ الْحَرْبِ كَأَنَّهُ دِرْعٌ، تِفْعَالٌ مِنْ جَفَّ لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّلابَةِ وَالْيُبُوسَةِ. فَتَاؤُهُ زَائِدَةٌ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ. وَفِي الْقَامُوسِ: التِّجْفَافُ بِالْكَسْرِ: آلَةٌ لِلْحَرْبِ يَلْبَسُهُ الْفَرَسُ وَالإِنْسَانُ لِيَقِيَهُ فِي الْحَرْبِ.
فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: إِنْ كُنْت صَادِقَاً فِي الدَّعْوَى، فَهَيِّءْ آلَةً تَنْفَعُكَ عِنْدَ حُلُولِ الْبَلْوَى، فَإِنَّ الْبَلاءَ مُلازِمٌ لِمَنْ يُحِبُّنِي. وَمُجْمَلُهُ: أَنَّهُ تَهَيَّأْ لِلصَّبْرِ خُصُوصَاً عَلَى الْفَقْرِ، لِتَدْفَعَ بِهِ عَنْ دِينِك بِقُوَّةِ يَقِينِك مَا يُنَافِيهِ مِنْ الْجَزَعِ وَالْفَزَعِ، وَقِلَّةِ الْقَنَاعَةِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالْقِسْمَةِ. وَكُنِيَ بِالتِّجْفَافِ عَنْ الصَّبْرِ، لأَنَّهُ يَسْتُرُ الْفَقْرَ كَمَا يَسْتُرُ التِّجْفَافُ الْبَدَنَ عَنْ الضُّرِّ، قَالَهُ الْقَارِي.
«مِنْ السَّيْلِ» أَيْ إِذَا اِنْحَدَرَ مِنْ عُلُوٍّ. «إِلَى مُنْتَهَاهُ» أَيْ مُسْتَقَرِّهِ فِي سُرْعَةِ وُصُولِهِ. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لا بُدَّ مِنْ وُصُولِ الْفَقْرِ بِسُرْعَةٍ إِلَيْهِ، وَمِنْ نُزُولِ الْبَلايَا وَالرَّزَايَا بِكَثْرَةٍ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، خُصُوصَاً سَيِّدُ الأَنْبِيَاءِ، فَيَكُونُ بَلاؤُهُ أَشَدَّ مِنْ بَلائِهِمْ، وَيَكُونُ لأَتْبَاعِهِ نَصِيبٌ عَلَى قَدْرِ وَلائِهِمْ.
¥