تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والصَّواب أنَّ هَذَا الرَّاوي عن الحُرِّ بن مالك هو راو آخر مجهول الحال، سمَّاه لنا الإمام الدَّارقطني رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى وأشار إلى نسبته البيهقي رَحِمَهُ اللهُ، ولولا أنَّ الله حفظ لنا تراثنا وديننا بأمثال هؤلاء الأئمة المحدِّثين الحفَّاظ النُّقَّاد حقًّا، لكنا نخبط خبط عشواء في الحكم على الرِّوايات، فما نحن إلاَّ من الباحثين في الكتب المطبوعة أوالمخطوطة، أما أولائك الأفذاذ الحُفَّاظ فهم طراز آخر، ومعدن نفيس، رحمهم الله وأعلى منزلتهم (25)

أقول: فقد ظهر من كلام الإمام الدَّارقطني أن الراوي المتفرِّد بهذه الرِّواية عن الحُرِّ بن مالك هو:

إبراهيم بن جابر بن عيسى أبو إسحاق الغطريفي المتوفَّى عام 265هـ، وليس القزَّاز كما ظنَّ الشيخ الألباني رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى

وهذا الرِّاوي لم أجد له ترجمة إلا عند الخطيب البغدادي رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى في تاريخ بغداد (26)، وقد ذكر أنه من الرُّواة عن الحُرِّ بن مالك وغيره، ولم يذكر فيه جرحا أو تعديلا.

فظهر أن مدار هذه الرِّواية على هَذَا الرَّاوي المجهول الحال عن الحُرِّ بن مالك الَّذِيْ تفرَّد بها عن الإمام شعبة بن الحجَّاج.

مسألة:

وقع الاسم عند البيهقي رَحِمَهُ اللهُ " إبراهيم بن جابر المروزي "

والخطيب البغدادي رَحِمَهُ اللهُ ترجم للرجلين بترجمتين منفصلتين، والحقيقة أن المسألة أشكلت علي ولم أستطع الترجيح فيها، هل الرَّاوي عن الحُرِّ بن مالك هو الغطريفي أو المروزي أم أن الاسمين لشخص واحد (27)، وسأزيد الأمر بحثا إن يسَّر الله ذلك مستقبلا.

فإن كان الراوي هو الغطريفي كما قُلْتُ سابقا فهو مجهول الحال، وإن كان المروزي كما قَالَ البيهقي، فقد وثَّقه أحد الرواة عنه وهو أحمد بن الحُسَيْن الصوفي، لكن ابن أبي حاتم أخبر عن أبيه أن الإمام إبراهيم بن أرومة كتب لأبيه بخطِّه عن شيخ بسامرَّاء يقال له " إبراهيم بن جابر " عن عبد الرَّحيم بن هارون، نحو ورقه، فلم يأته ولم يسمع منه، وساق هَذَا في ترجمه عبد الرحيم بن هارون، وهذا يدل على ضعف إبراهيم أو شيخه بشكل مباشر لأن زهده فيها وعدم سماعه لرواية الحافظ ابن أرومة عنهما يورث شكا في توثيقهما. والله أعلم

وعلى كل فالتفرد في طبقته بهذه الرواية من الأمور الَّتِيْ يجب أن لا نُمرها مرور الكرام عند الحكم على الرواية، بل لا بد من الفحص والتتبع، خاصَّة إذا وجدنا العلماء تكلموا عن الرِّواية وأنكروها وأعلوها، فكيف نضرب بقولهم عرض الحائط ثم نحكم على الرواية دون إجابة عن تعليلهم!.

العلَّة الثَّالثة:

وهذه العلَّة كان حقُّها التَّقديم على العلَّتين السَّابقتين إلا أني أردت أن أجيب عن أدلة الشيخ الألباني رحمه الله في تصحيح الرِّواية أو تحسينها، ثم أبين أنَّ الأئمة رحمهم الله لم يكونوا مغفَّلين أو جهلة عندما حكموا على الرِّواية بالنَّكارة وتتابعوا على ذلك، وأنه يجب علينا التنبه لتفرِّد الضعفاء أو المجروحين أو المقلِّين بما يتفردون به عن المشهورين، كيف و الأئمة يطعنون في الرِّواية ثم نأتي ونصححها دون التفات لتعليلهم.

والعلَّة الحقيقيَّة: أنَّ هذه الرِّواية مشهورةٌ ومعروفة من قولِ ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بغير هذه اللفظ الَّذِيْ أنكره الأئمة رحمهم الله، وليست مرفوعة إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فقد أخرج الطَّبراني في الكبير (28)، والبيهقي في الشعب (29)، والآداب (30)، واللفظ للبيهقي من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرَّحمن بن يزيد عن ابن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّه قال: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ كَانَ يُحِبُّ الْقُرْآَنَ، فَهُوَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ))

وهذه الرِّواية رواها عن شعبة الثِّقتان المأمونان عفَّان بن مسلم الصَّفَّار و عمرو بن مرزوق الباهلي، وهذا يكفي لتصديق كلام الأئمة الذين أنكروا رواية الحُرِّ بن مالك المُقِلِّ المتفرِّد عن شعبة، الذي خالف ثقات الرواة عن شعبه في أمور:

أ- سلك الجادة، فرواه عن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير