فقد أخرج الإمام الحاكم- عفا الله عنا وعنه- في «المستدرك» (2/ 500) كتاب التفسير باب «تفسير سورة الحاقة» حيث قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن علي الميداني، حدثنا الحسين بن الفضل، حدثنا أبو غسان النهدي، حدثنا شريك عن سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في قوله عز وجل: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIF وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF قال: ثمانية أملاك على صورة الأوعال بين أظلافهم إلى ركبهم مسيرة ثلاث وستين سنة».
الرد على هذه الفِرية
1 - الحديث الذي جاءت به هذه القصة لتفسير الآية (17: الحاقة) حديث تالف، وقصة الأوعال واهية، وهو نفس سند القصة.
سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب والسند تالف بالعلل الثلاث التي بيناها آنفًا.
فوق هذه العلل الثلاثة علة رابعة هي أن شريكًا مدلس، فقد نقل الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (4/ 296) عن أئمة الجرج والتعديل هذا التدليس، قال عبد الحق الأشبيلي: «كان مدلسًا»، وقال ابن القطان: «وكان مشهورًا بالتدليس»، وقد عنعن ولم يصرح بالسماع عن سماك.
2 - قول الحاكم- رحمه الله- عن هذا الحديث: «هذا حديثٌ صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه». اهـ.
قلت: هذا قول فيه نظر.
أ- السند من طريق شريك عن سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب موقوف، وهذا سند تالف بالعلل الأربع التي بيناها آنفًا.
ب- عبد الله بن عميرة لم يخرج له مسلم، وهو لم يكن من رجال صحيح مسلم كما هو مبين في كتاب «رجال صحيح مسلم» لابن منجويه كما هو مبين في تراجم من اسمه عبد الله ممن روى له الإمام مسلم من الترجمة (727) إلى الترجمة (888).
جـ- والبحث في هذا السند الواهي الذي جعلوه تفسيرًا لآية الحاقة بل جعلوه على شرط مسلم:
1 - لم نجد عند مسلم في صحيحه حديثًا واحدًا من طريق شريك عن سماك بن حرب عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب حتى يقال حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
2 - بل لم نجد عند مسلم في صحيحه حديثًا واحدًا من طريق سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب.
3 - بل لم نجد عند مسلم في صحيحه حديثًا واحدًا من طريق عبد الله بن عميرة بن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب.
4 - بل بالبحث في «تحفة الأشراف» للإمام المزي (4/ 264) (ح5124) في «مسند العباس» بن عبد المطلب مسند (267) في حديث الأحنف بن قيس التميمي البصري عن العباس بن عبد المطلب لم نجد حديثًا واحدًا عند مسلم من طريق الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب.
وبهذا يتبين أن هذا الحديث الذي يجعل حملة العرش تيوسًا قصته واهية وسنده تالف مسلسل بالعلل كما بينا آنفًا.
قاعدة هامة جدًا: نقل محدث وادي النيل الشيخ أحمد شاكر- رحمه الله- في «شرح اختصار علوم الحديث» لابن كثير ص (21) عن ابن الصلاح في «شرح مسلم» قال: «من حكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في صحيحه بأنه من شرط الصحيح فقد غفل وأخطأ، بل ذلك متوقف على النظر في كيفية رواية مسلم عنه، وعلى أي وجه اعتمد».
سادسًا ذكر من ضعَّف هذه القصة
1 - الإمام ابن الجوزي في «العل المتناهية في الأحاديث الواهية» (1/ 24) (ح5)، (ح6).
2 - الإمام ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (7/ 198، 51/ 2104).
3 - الإمام العقيلي في «الضعفاء الكبير» (2/ 284/852).
4 - وضعف هذه القصة الشيخ الألباني رحمه الله في «الضعيفة» (3/ 398) (ح1247)، وفي «ضعيف سنن أبي داود» (ح1014)، وفي «ضعيف سنن الترمذي» (ح654)، وفي «ضعيف سنن ابن ماجه» (ح34).
رابعًا: بدائل صحيحة
تذكر هذه القصة الواهية في كتب العقيدة لإثبات صفة العلو والفوقية:
1 - صفة العلو والفوقية صفة ذاتية ثابتة لله عز وجل بالكتاب والسنة الصحيحة، وليست في حاجة إلى قصة الأوعال الواهية لإثباتها.
2 - العلو ثلاثة أقسام:
أ- علو قهر. ب- علو شأن. جـ- علو ذات.
أ- علو قهر: أي فلا مغالب له ولا منازع، بل كل شيء تحت سلطان قهره ومن الأدلة على ذلك قوله عز وجل: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIF قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [ ص: 65].
ب- «علو الشأن»: فتعالى عن النقائص والعيوب المنافية لإلهيته وربوبيته وأسمائه الحسنى وصفاته العلى، وعلى سبيل المثال: تعالى في كمال حياته عن الموت، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_R.GIF وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لاَ يَمُوتُ http://www.altawhed.com/Images/BRAKET_L.GIF [ الفرقان: 58]، فنفى الموت لإثبات كمال الحياة، وهذا بالنسبة لجميع الصفات الثبوتية عندما تذكر معها الصفات السلبية.
جـ- علو الذات (علو الفوقية):
وأهل السنة والجماعة يعتقدون أن الله عز وجل فوق جميع مخلوقاته مُسْتوٍ على عرشه عالٍ على خلقه بائنٌ منهم يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى حركاتهم وسكناتهم لا تخفى عليه خافية.
والأدلة الصحيحة على سبيل المثال لا الحصر لعلو الذات:
1 - فمن ذلك أسماؤه الحسنى الدالة على ثبوت جميع معاني العلو له تبارك وتعالى كاسمه الأعلى واسمه العلى واسمه المتعالي واسمه الظاهر.
2 - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء».
حديث صحيح أخرجه مسلم (ح2713)، وأحمد (8969)، وأبو داود (5051)، والترمذي (ح3400)، (3481)، والنسائي في «اليوم والليلة» (ح795)، وابن السني في «اليوم والليلة» (ح715)، وابن ماجه (ح3873) من حديث أبي هريرة.
وفي هذا الحديث تصريح بفوقية الله، وأنه تعالى الظاهر فليس فوقه شيء والأدلة على صفة العلو كثيرة، وهذا على سبيل المثال من الكتاب والسنة الصحيحة.
هذا ما وفقني الله إليه، وهو وحده من وراء القصد.
http://www.altawhed.com/Detail.asp?InNewsItemID=257544
¥