قال الحافظ: إن كان من جرح مجملاً قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائناً من كان إلا مفسراً لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي فإن أئمة هذا الشأن لا يوثقون إلا من اعتبروا حاله في دينه ثم في حديثه ونقدوه كما ينبغي وهم أيقظ الناس فلا ينقص حكم أحدهم إلا بأمر صريح وإن خلا عن التعديل ... النزهة (ص 73)
قال المناوي: أما إذا كان من جرح مجملاً قد عدله أحد من أئمة هذا الفن فلا يقبل الجرح فيه من أحد كائناً من كان إلا مبيناً له لأنه قد يثبت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي .. اليواقيت والدرر (2/ 367)
قال الشيخ أحمد شاكر: والتفصيل الذي اختاره ابن حجر هو الذي يطمئن إليه الباحث في التعليل والجرح والتعديل بعد استقرار علوم الحديث وتدوينها. (الباعث ص 90 - 91)
قال المحدث اللكنوي: ومن الناس من ظن أن الجرح المبهم يقبل من العارف البصير ونسبه إلى الجماهير وأنه الصحيح عند المحدثين والأصوليين،وقد عرفت أنه قول أبي بكر الباقلاني وجمع من الأصوليين وهو ليس قولاً مستقلاً عند المحققين وعلى تقدير كونه قولاً مستقلاً، لا عبرة به حذاء مذهب نقاد المحدثين منهم البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة المسلمين .. الرفع والتكميل (ص 105)
وقال أيضاً: فاحفظ هذه الفائدة الغريبة على المذهب الصحيح في باب الجرح المبهم من المذاهب الشهيرة ولا تبادر تقليداً بمن لا يفهم الحديث وأصوله ولا يعرف فروعه إلى تضعيف الحديث وتوهينه بمجرد الأقوال المبهمة و الجروح الغير مفسرة الصادرة من نقاد الأئمة وشأن الرواية وإلى الله المشتكى من طريقة أهل عصرنا المخالفين لشريعة الأئمة الذين مضوا قبلنا يبادرون إلى تضعيف القوي وتوهين السوي من غير تأمل وتفكر وتعمل وتبصر. الرفع والتكميل (ص 108 - 109)
القاعدة الثالثة:التوقف في حال من جرح جرحاً مجملاً حتى يتبين حاله.
قال الإمام ابن الصلاح في مقدمته: وأكثر ما يوجد في كتب الجرح والتعديل (فلان ضعيف) أو
(متروك) ونحو ذلك فإن ذلك لم نكتف به انسدّ باب كبير في ذلك.
وأجاب عنه بقوله: بأنا إذا لم نكتف به توقفنا في أمره لحصول الريبة عندنا بذلك.
وقال الإمام النووي: على مذهب من اشترط في الجرح التفسير نقول: فائدة الجرح فيمن جرح جرحاً مطلقاً أن يتوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح ..
وقال في التقريب: وأما كتب الجرح والتعديل التي لا يذكر فيها سبب الجرح ففائدتها التوقف فيمن جرحوه فإن بحثنا عن حاله وانزاحت عنه الريبة وحصلت الثقة به قبلنا حديثه كجماعة في الصحيحين بهذه المثابة. شرح صحيح مسلم (1/ 125) والإرشاد (1/ 285) والتدريب (1 - 307)
وقال السيوطي: ... لا يذكر فيها سبب الجرح) فإنا وإن لم نعتمدها في إثبات الجرح والحكم به (ففائدتها التوقف فيمن جرحوه) عن قبول حديثه لما أوقع ذلك عندنا من الريبة القوية فيهم ... التدريب (1 - 307)
قال الصنعاني: إن أكثر هذه العبارات في التجريح غير مبينة السبب فهي من باب الجرح المطلق (فتكون غير مفيدة للجرح) الموجب لإطراح الرواية (ولكن) تكون (موجبة الريبة والوقف) في قبول من قيلت فيه .. توضيح الأفكار (2/ 274)
قال المعلمي اليماني (ذهبي هذا العصر): هذا يدل على أن التوقف الذي ذكره ابن الصلاح والنووي يشمل من اختلف فيه فعدله بعضهم وجرحه غيره جرحاً غير مفسر وسياق كلامهما يقتضي ذلك بل الظاهر أن هذا هو المقصود فإن من لم يعدل نصاً أو حكماً ولم يجرح يجب التوقف عن الاحتجاج به ومن لم يعدل وجرح جرحاً مجملاً فلأمر فيه أشد من التوقف والارتياب.
فالتحقيق أن الجرح المجمل يثبت به جرح من لم يعدل نصاً ولا حكماً ويوجب التوقف فيمن قد عدل حتى يسفر البحث عما تقتضي قبوله أو رده. التنكيل (1/ 63 - 64)
القاعدة الرابعة: متى يقبل الجرح مجملاً؟
قال الحافظ: فإن خلا المجروح عن التعديل قُبل الجرح فيه مجملاً غير مبين السبب إذا صدر من عارف على المختار لأنه إذا لم يكن فيه تعديل فهو في حيز المجهول وإعمال قول المجرح أولى من إهماله ...
¥