تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

متون الأحاديث مما يعرف خطأه السامع الفَهِم حين يرد على سمعه.

والجهة الأخرى: أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثاً عن مثل الزهري، أو غيره من الأئمة بإسناد واحد، ومتن واحد، مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه، فيخالفهم في الإسناد، أو يقلب المتن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث به الجماعة من الحفاظ، دون الواحد المنفرد وإن كان حافظاً.

على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث مثل شعبة، وسفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد، وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم من أهل العلم."

إن القراءة المتأنية المصحوبة بدقة التأمل في هذين النصين المذكورين عن الإمام مسلم؛ تعطينا دلالة جلية على أن نقد المتون كان ركيزة أساسية في العملية النقدية عند أئمة الجرح والتعديل، كما أشار إلى ذلك مسلم نفسه حين نص على أسماء بعضهم في آخر كلامه الآنف، ويؤكد هذا بصورة قاطعة أن مسلماً -رحمه الله- لما ذكر حديثاً أخطأ فيه أحد الرواة في متنه بعد أن بين الأخبار الصحيحة التي تدفعه وتعارضه قال: "بمثل هذه الرواية وأشباهها، ترك أهل الحديث حديث يحيى بن عبيد الله."

فذكر السبب في ترك أهل الحديث الراوية عن هذا الراوي؛ لأنه خالف في متن هذه الرواية وأشباهها، ونسب ذلك لعلماء الجرح والتعديل، مقرراً أن هذا من موجبات ضعفه عندهم.

ومن النصوص العامة المهمة التي تدل على عناية أئمة الجرح والتعديل بنقد المتون في العملية النقدية، ما ذكره ابن أبي حاتم في آخر تقدمته لكتابه الموسوعي في نقد الرواة "الجرح والتعديل" حيث قال: "تُعرفُ جودةُ الدينار بالقياس إلى غيره، فإن تخلَّف عنه في الحُمرة والصفاء؛ عُلِم أنه مغشوش، ويُعلم جنس الجوهر بالقياس إلى غيره فإن خالفه في الماء والصلابة عُلِم أنه زجاج، ويقاس صحة الحديث بعدالة ناقليه، وأن يكون كلاماً يصلح أن يكون من كلام النبوة، ويعلم سقمه وإنكاره بتفرد من لم تصح عدالته بروايته."

فهذا الإمام يقرر هنا معايير صحة الحديث عند علماء الحديث في كتاب خصصه لأقوال علماء الجرح والتعديل في نقلة الأخبار ورواتها، وهو هنا يجعل النظر النقدي في المتن ركيزة أساسية في الحكم على الحديث، ولا ينقل هذا على أنه اختياره أو رأيه الخاص، بل إنه ساق هذا الكلام بعد قصة حدثت لوالده مع أحد الفقهاء من أهل الرأي حين استنكر عليه وعلى أهل الحديث أقوالهم وأحكامهم على الرواة والأحاديث، فذكر أبو حاتم الرازي لذلك الفقيه أن أقواله ليست من منطلق ذاتي بل هي معتمدة على معايير موضوعية، ثم أخبره بأن مصداق ذلك أن يسأله عن أحاديث ويقيد كلامه، ثم يذهب بتلك الأحاديث نفسها لأحد علماء الحديث الذين يحسنون علم العلل والجرح والتعديل، ويعرضها عليه، فإن تطابق حكمهما، فعليه أن يعلم حينها أن هذا العلم له معايير موضوعية، وإن اختلفت الأحكام فحينها يحق له أن يقول: إن أحكامكم يا أهل الحديث مبنية على معايير ذاتية، وكانت النتيجة أن تطابق حكم أبي حاتم مع حكم العالم الآخر.

ومن النصوص العامة الدالة على عناية أئمة الجرح والتعديل بنقد المتن، ما ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي في آخر "شرحه لعلل الترمذي" تحت عنوان: "قواعد في العلل فقد قال: "ولنختم هذا الكتاب بكلمات مختصرات من كلام الأئمة النقاد الحفاظ الأثبات وهي في هذا العلم كالقواعد الكليات يدخل تحتها كثير من الجزئيات ...

قاعدة: الفقهاء المعتنون بالرأي حتى يغلب عليهم الاشتغال به لا يكادون يحفظون الحديث كما ينبغي، ولا يقيمون أسانيده، ولا متونه، ويخطئون في حفظ الأسانيد كثيراً ويروون المتون بالمعنى، ويخالفون الحفاظ في ألفاظه، وربما يأتون بألفاظ تشبه ألفاظ الفقهاء المتداولة بينهم، وقد اختصر شريك حديث رافع بن خديج في المزارعة فأتى به بعبارة أخرى فقال: "من زرع في أرض (قوم) بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته." وهذا يشبه كلام الفقهاء.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير