تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك روى حديث أنس: "أن النبي ? كان يتوضأ برطلين من ماء،" وهذا رواه بالمعنى الذي فهمه، فإن لفظ الحديث: "أنه كان يتوضأ بالمد،" والمد عند أهل الكوفة رطلان. وكذلك سليمان بن موسى الدمشقي الفقيه يروي الأحاديث بألفاظ مستغربة، وكذلك فقهاء الكوفة ورأسهم حماد بن أبي سليمان، وأتباعه، وكذلك الحكم بن عتيبة، وعبد الله بن نافع الصائغ صاحب مالك، وغيره.

قال ابن حبان: الفقيه إذا حدث من حفظه، وهو ثقة في روايته لا يجوز عندي الاحتجاج بخبره؛ لأنه إذا حدث من حفظه فالغالب عليه حفظ المتون، دون الأسانيد، وهكذا رأينا أكثر من جالسناه من أهل الفقه، كانوا إذا حفظوا الخبر لا يحفظون إلا متنه، وإذا ذكروا أول أسانيدهم يكون قال رسول الله ? فلا يذكرون بينهم وبين النبي ? أحداً، فإذا حدث الفقيه من حفظه ربما صحّف الأسماء، وأقلب الأسانيد، ورفع الموقوف، وأوقف المرسل، وهو لا يعلم لقلة عنايته به، وأتى بالمتن على وجهه، فلا يجوز الاحتجاج بروايته إلا من كتاب أو يوافق الثقات في الأسانيد.

قلت (القائل ابن رجب): هذا إن كان الفقيه حافظاً للمتن، فأما من لا يحفظ متون الأحاديث بألفاظها من الفقهاء، وإنما يروي الحديث بالمعنى، فلا ينبغي الاحتجاج بما يرويه من المتون، إلا بما يوافق الثقات في المتون، أو يحدث به من كتاب موثوق به، والأغلب أن الفقيه يروي الحديث بما يفهمه من المعنى، وإفهام الناس تختلف ولهذا نرى كثيراً من الفقهاء يتأولون الأحاديث بتأويلات مستبعدة جداً بحيث يجزم العارف المنصف بأن ذلك المعنى الذي تأول به غير مراد بالكلية، فقد يروي الحديث على هذا المعنى الذي فهمه، وقد سبق أن شريكاً روى حديث الوضوء بالمد بما فهمه من المعنى، وأكثر فقهاء الأمصار يخالفونه في ذلك.

قاعدة: الثقات الحفاظ إذا حدثوا من حفظهم وليسوا بفقهاء قال ابن حبان: عندي لا يجوز الاحتجاج بحديثهم؛ لأن همتهم حفظ الأسانيد والطرق، دون المتون، قال: وأكثر من رأينا من الحفاظ كانوا يحفظون الطرق، ولقد كنا نجالسهم برهة من دهرنا على المذاكرة، ولا أراهم يذكرون من متن الخبر إلا كلمة واحدة يشيرون إليها قال: ومن كانت هذه صفته وليس بفقيه فربما يقلب المتن، ويغير المعنى إلى غيره، وهو لا يعلم، فلا يجوز الاحتجاج به إلا أن يحدث من كتابه ويوافق الثقات.

(قال ابن رجب): وقد ذكرنا هذا عن ابن حبان فيما تقدم، وبينا أن هذا ليس على إطلاقه، وإنما هو مختص بمن عرف منه عدم حفظ المتون وضبطها، ولعله يختص بالمتأخرين من الحفاظ نحو من كان في عصر ابن حبان، فأما المتقدمون كشعبة، والأعمش، وأبي إسحاق، وغيرهم؛ فلا يقول ذلك أحد في حقهم؛ لأن الظاهر من حال الحافظ المتقن حفظ الإسناد والمتن، إلا أن يوقف منه على خلاف ذلك، والله أعلم.

وقد سبق قول الشافعي أن من حدث بالمعنى، ولم يحفظ لفظ الحديث إنه يشترط فيه أن يكون عاقلاً لما يحدث به من المعاني، عالماً بما يحيل المعنى من الألفاظ، وأن من حدث بالألفاظ فإنه يشترط أن يكون حافظاً للفظ الحديث متقناً له."

وقد نقلت هذا النص مع طوله؛ لكون ابن رجب صرح في أول كلامه -وهو من أهل الاستقراء التام في علم الحديث- أن ما سيذكره هو قواعد كلية من كلام الأئمة النقاد، ثم ذكر تحقيقات في غاية النفاسة تتعلق بنقد المتون عند أئمة الجرح والتعديل، هي من الظهور والجلاء ما يغني عن توضيحها أو شرحها.

وفي هذا ما يؤكد بصورة عامة عناية علماء الجرح والتعديل بنقد المتن الحديثي في أثناء حكمهم على الراوة، ولقد وجدت العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله الذي يعد أحد أبرز علماء الحديث في القرن الرابع عشر الهجري، وأكثرهم تخصصاً ومعايشة لكتب العلل والجرح والتعديل، قد قرر هذه الحقيقة العلمية بقوله: "من تتبع كتب تواريخ رجال الحديث وتراجمهم، وكتب العلل؛ وجد كثيراً من الأحاديث التي يطلق الأئمة عليها: "حديث منكر، باطل، شبه موضوع، موضوع"، وكثيراً ما يقولون في الراوي: "يحدث بالمناكير، صاحب مناكير، عنده مناكير، منكر الحديث"، ومن أنعم النظر وجد أكثر ذلك من جهة المعنى، ولما كان الأئمة قد راعوا في توثيق الرواة النظر في أحاديثهم، والطعن فيمن جاء بمنكر، صار الغالب أن لا يوجد حديث منكر إلا وفي سنده مجروح، أو خلل. فلذلك صاروا إذا استنكروا الحديث نظروا في سنده

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير