تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والرأي الذي عليه كبار أئمة العلل أن حديث أبي قيس منكر؛ لمخالفته للمحفوظ عن المغيرة بن شعبة، قال ابن المديني: "حديث المغيرة رواه عن المعيرة أهل المدينة، وأهل الكوفة، وأهل البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل، إلا أنه قال: "ومسح على الجوربين،" وخالف الناس،" وقال ابن معين: "الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس،" وهذا رأي سفيان الثوري، وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل، وأبو داود، والنسائي، والدارقطني، والبيهقي، وغيرهم.

وبناء على كلامهم في هذا الحديث قال الإمام أحمد في أبي قيس: "يخالف في أحاديثه،" وقال أبو حاتم الرازي: "ليس بقوي، هو قليل الحديث، وليس بحافظ، قيل له: كيف حديثه؟ فقال: صالح، هو لين الحديث،" وقال النسائي: "ليس به بأس" وهذه عبارة تدل على توسط الحفظ، وذهب ابن معين والعجلي وابن حبان وآخرون إلى توثيقه.

والمتضح من كلام مسلم، وابن المديني، وابن معين المنقول آنفاً، أنهم بنوا سبب تضعيفهم لرواية أبي قيس؛ لكونها مخالفة للمحفوظ عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وهذا إعلال متن بمتن، وإن كان أصل الحديث يروى عن الصحابي نفسه، مع أن من صحح الحديث كالترمذي وابن خزيمة وابن حبان يرون أن حديث أبي قيس يعد حديثاً آخر مستقل لا علاقة له بحديث الخفين المشهور عن المغيرة.

ومما يدل على عناية أئمة الجرح والتعديل بنقد المتون، وأنه ركن أساس من أركان العملية النقدية السابقة على إطلاق الحكم على الراوي، أننا نجد بعض العبارات الموحية بذلك، فمثلاً نجد عن الإمام أحمد بن حنبل أنه لما سئل عن أبي إسرائيل المَلائي واسمه إسماعيل بن خليفة العبسي، قال فيه: "خالف الناس في أحاديث،" وقال ابن عدي في الراوي نفسه: "عامة ما يرويه يخالف الثقات،" وهذا يشمل السند والمتن، ونجد كذلك الإمام أحمد حين سئل عن الحجاج بن أرطاة: لِمَ ليس هو عند الناس بذاك؟، فقال: "لأن في حديثه زيادة على حديث الناس، ليس يكاد له حديث؛ إلا فيه زيادة،" وسأل رجال أحمد عن الحجاج: ما شأنه؟، فقال: "شأنه أنه يزيد في الأحاديث،" والمقصود هنا زيادة المتون لا زيادة الأسانيد؛ لأن الناظر في حديث الحجاج بن أرطاة يجد أسانيده في الغالب قليلة الوسائط إذ هو من طبقة الأتباع، وهو معروف بالتدليس في الإسناد، وأهم أغراض التدليس تقليص وسائط السند لا زيادته، ثم لو أن الإمام أحمد أراد أنه يخالف غيره في الأسانيد لقال: " يخالف،" ولم يقل: "في حديثه زيادة" أو "يزيد في الأحاديث،" وقد نص الأئمة على بعض زياداته في المتون.

ونجد الإمام البخاري في نص نفيس يبين لنا سبب تضعيفه لعطاء بن عبد الله الخراساني، بناء على مخالفاته في المتون التي يرويه، فيقول: "ما أعرف لمالك بن أنس رجلاً يروي عنه مالك يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني. قلت له: ما شأنه؟ قال: عامة أحاديثه مقلوبة:

1. روي عن سعيد بن المسيب: "أن رجلاً أتى النبي ? وأفطر في رمضان،" وبعض أصحاب سعيد بن المسيب يقول: سألت سعيداً عن هذا الحديث؟ فقال: كذب علي عطاء لم أحدث هكذا.

2. وروى عطاء عن أبي سلمة عن عثمان، وزيد بن ثابت في الإيلاء إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وروى حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن عثمان أنه قال في المولي يوقف.

3. وروى عطاء عن سعيد بن المسيب قال إذا أقام أربعاً صلى أربعاً، وروى داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب خلاف هذا.

قلت له [القائل الترمذي]: فإن قتادة روى عن سعيد بن المسيب قال: "إذا أقام أربعاً صلى أربعاً،" مثل ما روى عطاء؟! قال محمد: أرى قتادة أخذه عن عطاء."

ففي هذا النص المفسر المبين نرى الإمام البخاري يسوق أدلته على سبب تضعيفه لعطاء الخراساني، فنجدها كلها تتعلق بنقد المتن، فحين نرى عبارة مثل: فلان منكر الحديث، أو يخالف، أو يهم، أو نحوها عن البخاري؛ فلا يستبعد أن تكون أسباب هذه الأحكام وما يشبهها على أولئك الرواة ترجع للمتن، ومما يؤكد هذه الحقيقة بالإضافة لما سبق أن البخاري قال في صالح بن محمد بن زائدة: "منكر الحديث،" وورد عنه ما يبين سبب هذا الحكم، فقد سأله الترمذي عن حديث يرويه صالح هذا عن سالم عن أبيه عن ابن عمر أن رسول الله ? قال: "من وجدتموه غل، فأحرقوا متاعه؟ "

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير