فضعف البخاري هذا الحديث وقال: "قد روي عن النبي ? غير حديث خلاف هذا حديث أبي هريرة في قصة مِدْعَم، وحديث زيد بن خالد أن رجلاً غل خرازات، وذكر أحاديث، فلم يذكر في شيء منها أن النبي ? أمر أن يحرق متاع من غل. وصالح بن محمد بن زائدة هو أبو واقد: منكر الحديث، ذاهب، لا أروي عنه."
والبخاري -رحمه الله- له عناية بنقد المتون كما يظهر هذا في مواطن عدة من كتبه.
وعلى أية حال فمما يؤسف له أن أغلب نصوص أئمة الجرح والتعديل تكون مختصرة، غير مصحوبة في الغالب ببيان الأسباب، ولذا قلنا: إن النص السابق في تضعيف البخاري لعطاء الخراساني يعد من النصوص النفيسة؛ لقلة وجود أمثاله من النصوص المفسرة.
ومن علماء الجرح والتعديل الذين وجدت لهم كلاماً في نقد المتن شبيهاً بما تقدم، الإمام إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني -رحمه الله،- فقد وقفت له على عدة نصوص، منها ما جاء في سياق كلامه على ضعف عاصم بن ضمرة، فقد قال: "وعاصم بن ضمرة عندي قريب منه [أي من الحارث بن عبد الله الأعور وهو ضعيف عنده] وإن كان حكي عن سفيان قال: "كنا نعرف فضل حديث عاصم على حديث الحارث."
. روى عنه أبو إسحاق حديثاً في تطوع النبي ? ست عشرة ركعة، "أنه كان يمهل حتى إذا ارتفعت الشمس من قبل المشرق كهيئتها من قبل المغرب عند العصر، قام فصلى ركعتين، ثم يمهل حتى إذا ارتفعت الشمس، وكانت من قبل المشرق كهيئتها من قبل المغرب عند الظهر، قام فصلى أربع ركعات، ثم يمهل حتى إذا زالت الشمس صلى أربع ركعات قبل الظهر، ثم يصلي بعد الظهر ركعتين، ثم يصلي قبل العصر أربع ركعات، فهذه ست عشرة ركعة."
فيالعباد الله!! أما كان ينبغي لأحد من أصحاب النبي ?، وأزواجه يحكي هذه الركعات؛ إذ هم معه في دهرهم، والحكاية عن عائشة رضي الله عنها في الاثنتي عشرة ركعة من السنة، وابن عمر عشر ركعات، والعامة من الأمة، أو من شاء الله قد عرفوا ركعات السنة الاثنتي عشرة منها بالليل، ومنها بالنهار، فإن قال قائل: كم من حديث لم يروه إلا واحد؟! قيل: صدقت كان النبي ? يجلس فيتكلم بالكلمة من الحكمة لعله لا يعود لها آخر دهره، فيحفظها عنه رجل، وهذه ركعات كما قال عاصم كان يداوم عليها فلا يشتبهان.
2. ثم خالف رواية الأمة، واتفاقها حين روى: "أن في خمس وعشرين من الإبل خمساً من الغنم،" وهذا حماد بن سلمة عن ثمامة بن عبدالله عن أنس: "أن أبا بكر كتب له الصدقة التي فرض رسول الله ?، فيما دون خمس وعشرين من الإبل في كل خمس شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين، ففيها ابنة مخاض، وكذلك حكاية الزهري عن عبد الله بن عمر، وما حكى سفيان بن عيينة عن الزهري أيضاً كذلك."
ومن الواضح جداً في هذا النص أن سبب ضعف عاصم بن ضمرة عند الجوزجاني: مخالفاته في المتون لما يرويه من هم أوثق منه. والنصوص المشابهة لما تقدم كثيرة بالنظر للأسباب الأخرى، ولولا خشية الإطالة لسردت ما وقفت عليه غير ما تقدم.
ومن أنواع المخالفة التي يستعملها أئمة الجرح والتعديل في نقد المتن الحديثي المؤثرة في حكمهم على الرواة، أن يكون المتن مخالفاً للإجماع، وقد ورد عن الإمام أحمد بن حنبل استعمال هذا النوع من المخالفة لنقد بعض الرواة، فقد قال في طلحة بن يحيى التيمي: "صالح الحديث،" وفي نص آخر قال: "طلحة بن يحيى أحب إلي من بريد بن أبي بردة، بريد يروي أحاديث مناكير، وطلحة حدث بحديث عصفور من عصافير الجنة."
وحديث عصفور من عصافير الجنة الذي نقده الإمام أحمد أخرجه مسلم في صحيحه من طريق طلحة ابن يحيى عن عمته عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: "دعي رسول الله ? إلى جنازة صبي من الأنصار فقلت: يا رسول الله طوبى لهذا عصفور من عصافير الجنة، لم يعمل السوء، ولم يدركه. قال: أو غير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلاً خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلاً، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم."
ونقل الخلال ما يبين سبب نقد الإمام أحمد لهذا الحديث، فقال: "أخبرنا الميموني أنهم ذاكروا أبا عبد الله أطفال المؤمنين، فذكروا له حديث عائشة في قصة ابن الأنصاري، وقول النبي ? فيه. فسمعت أبا عبد الله غير مرة يقول: هذا حديث! وذكر فيه رجلاً ضعفه: طلحة.
وسمعته غير مرة يقول: وأحدٌ يشك أنهم في الجنة، هو يرجى لأبيه، كيف يشك فيه؟! إنما اختلفوا في أطفال المشركين."
¥