تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فظاهر كلام الإمام أحمد أنه نقد متن الحديث بسبب مخالفته للإجماع، بقرينة قوله: "إنما اختلفوا في أطفال المشركين،" ومفهوم هذا أن أطفال المسلمين لم يختلف فيهم، وهذا يدل عليه قوله أيضاً: "أحد يشك أنهم في الجنة!،" ولذا قال ابن عبد البر في الحديث الآنف: "وهذا حديث ساقط ضعيف، مردود بما ذكرنا من الآثار والإجماع." وكذا حكى النووي الإجماع على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة.

ومما يدخل تحت في هذا النوع من المخالفة -حسب ظني- النصوص التي يصرح فيها كبار علماء الجرح والتعديل بضعف بعض الرواة؛ لكونهم يروون أحاديث فيها طعن في الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، أو في عثمان رضي الله عنه كما ورد عن الإمام أحمد أنه سئل عن أبي مريم عبد الغفار بن القاسم الكوفي: من أين جاء ضعفه، من قبل رأيه، أو من قبل حديثه.؟ فقال: "من قبل رأيه، حدّث ببلايا في عثمان، أحاديث سوء."

وكذا إذا كان في المتن غلو في فضل علي رضي الله عنه، كما قال ابن سعد في عبيد الله بن موسى بن العبسي: "وكان ثقة صدوقاً إن شاء الله، كثير الحديث، حسن الهيئة، وكان يتشيع، ويروي أحاديث في التشيع منكرة، فضعف بذلك عند كثير من الناس." ولذا قال الإمام أحمد وهو ممن يضعف عبيد الله هذا لما سئل عنه: "كان صاحب تخليط، وحدث بأحاديث سوء، أخرج تلك البلايا، فحدث بها، قيل له: فابن فضيل؟ قال: لم يكن مثله، كان أستر منه، وأما هو فأخرج تلك الأحاديث الردية." وقال أبو داود في يونس بن خباب: "شتام لأصحاب رسول الله ? ... وقد رأيت أحاديث شعبة عنه مستقيمة، وليست الرافضة كذلك،" "وكان له رأي سوء، زاد في حديث القبر -حديث زاذان -: وعلي وليي،" وبيان هذه الزيادة المنافية لإجماع أهل السنة وردت في قصة لعباد بن عباد يقول فيها: "أتيت يونس بن خباب، فسألته عن حديث عذاب القبر، فحدثني، فقال: ها هنا كلمة أخفاها الناصبة. قال: قلت: ما هي؟ قال: أن يسأل في قبره من وليك؟، فإن قال: علي بن أبى طالب، نجا. فقلت: والله ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل البصرة. قال: أنت عثماني خبيث ... "، وأهل السنة مجمعون على فضل الخلفاء الراشدين، وعموم صحابة رسول الله ?، كما أنهم مجمعون على عدم الغلو في فضل علي رضي الله عنه أو غيره من صحابة رسول الله ?، فإذا روى أحد الرواة متوناً حديثية تخالف هذا الإجماع المعتبر، فإن أئمة الجرح والتعديل يتكلمون فيه بسبب ذلك.

ـ[أبوصالح]ــــــــ[15 - 11 - 06, 11:49 م]ـ

ومن الأمثلة التي تدل على استعمال مخالفة المتن للمعروف من قول الراوي أو فعله عند أئمة الجرح والتعديل بوصفه سبباً من أسباب المخالفة المؤثرة في الحكم على رواة الحديث عندهم، ما جاء عن الإمام أحمد في الحارث بن فضيل الأنصاري فقد قال فيه: "ليس بمحمود الحديث،" وبيّن سبب حكمه على هذا الراوي حين ذكر عنده حديث الحارث هذا الذي يرويه عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن عبد الرحمن بن المِسور بن مخرمة عن أبي رافع عن عبد الله بن مسعود عن النبي ?: "يكون أمراء يقولون ما لا يفعلون، فمن جاهدهم بيده ... ،" فقال: "والحارث بن فضيل ليس بمحفوظ الحديث، وهذا الكلام لا يُشبه كلام ابن مسعود ... "

فنقد أحمد هذا المتن الحديثي الذي يرويه الحارث عن ابن مسعود مرفوعاً؛ لمخالفته لمذهب ابن مسعود رضي الله عنه في عدم الخروج على أئمة الجور وقتالهم، وعليه رأى أحمد أن الحارث ليس بمحفوظ الحديث، ومع هذا فأن الإمام مسلماً صحح الحديث؛ لتوثيقه للحارث، ولأنه لم ير في المتن ما يوجب النكارة.

ومثال آخر على هذا النوع من المخالفة -وهو في غاية النفاسة- ذكره الإمام مسلم عن عمر بن عبد الله بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الطهور بالخفين؟ قال: "للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن،" ثم قال الإمام مسلم: "هذه الرواية في المسح عن أبي هريرة ليست بمحفوظة، وذلك أن أبا هريرة لم يحفظ المسح عن النبي ?؛ لثبوت الرواية عنه بإنكاره المسح على الخفين، وسنذكر ذلك عنه إن شاء الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير