وسئل أبو زرعة الرازي عن الحسين السُدي: "فضحك، وقال: روى عنه ابن حميد -يعني محمد بن حميد الرازي،- وهو ذا أجهد جهدي أن أقف على معرفته عمن يروي، فلا أقدر عليه، قد كفانا مؤونة الأسانيد بما يقول: قال النبي ?. قال عنه أشياء ليست لها أصول."
وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديث رواه عبد الكريم بن الناجي عن الحسن بن مسلم عن الحسين بن واقد عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي ? قال: "من حبس العنب أيام القطاف؛ ليبيعه من يهودي أو نصراني، كان له من الله مقت." قال أبي: هذا حديث كذب باطل. قلت: تعرف عبد الكريم هذا؟ قال: لا. قلت: فتعرف الحسن بن مسلم؟ قال: لا، ولكن تدل روايتهم على الكذب."
وقال ابن حبان: "وهذا حديث لا أصل له عن حسين بن واقد، وما رواه ثقة، والحسن بن مسلم هذا راويه يجب أن يعدل به عن سَنَن العُدول إلى المجروحين، برواية هذا الخبر المنكر."
والعجب أن الحافظ ابن حجر حسن إسناد هذا الحديث في بلوغ المرام، ولم يعله بنكارة المتن كما فعل أبو حاتم الرازي وابن حبان.
وقد ذكر ابن حبان في ترجمة بشر بن عبد الله القصير أنه روى عن أبي سفيان بن طلحة بن نافع عن جابر بن عبد الله قال: قال: رسول الله ?: "من أدخل على أهل بيت سروراً خلق الله من ذلك السرور خلقاً يستغفرون له إلى يوم القيامة ... "، وهذا شيء لا أصل له من حديث رسول الله ?، وهو باطل من حديث أبي سفيان أيضاً."
وذكر ابن حبان أيضاً في ترجمة الحسن بن علي بن زكريا العدوي حديثاً عن ابن عيينة عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما: "أمرنا رسول الله ? أن نعرض أولادنا على حب علي بن أبي طالب،" ثم قال: "وهذا أيضاً باطل، ما أمر رسول ? بهذا مطلقاً، ولا جابر قاله، ولا أبو الزبير، ولا ابن عيينة حدث به، ولا أحمد بن عبدة ذكر بهذا الإسناد، فالمستمع لا يشك أنه موضوع."
وللحافظ ابن عدي جملة من النصوص المشابهة لذلك، منها قوله في حديث يرويه أحمد بن الحارث الغساني بلفظ: "نهى رسول الله ? عن حرق النوارة، وأن تقصع القملة بالنوارة": "منكر المتن،" وفي موضع آخر نجده يقول في حديث آخر: "وهذه الألفاظ التي في هذا الحديث، لا تشبه ألفاظ الأنبياء،" ولفظه: "من أحبني فليحب علي، ومن أحب علي فليحب ابنتي فاطمة، ومن أحب ابنتي فاطمة، فليحب ولديهما الحسن والحسين، وأنهما لفرطي أهل الجنة، وان أهل الجنة ليباشرون، ويسارعون إلى رؤيتهم، ينظرون إليهم، فحبهم إيمان، وبغضهم نفاق، ومن أبغض أحداً من أهل بيتي، فقد حرم شفاعتي بأني نبي مكرم، بعثني الله بالصدق، فحبوا أهل بيتي وحبوا علي،" وهذه الألفاظ فيها لحن واضح.
واستعمل ابن عدي مثل هذا النقد في مواضع أخرى، ولكن بعبارة: " لا تشبه ألفاظ رسول الله ?."
ومن الأمثلة على الحالة الثانية من حالات التفرد: أن أبا حاتم الرازي سئل عن حميد المكي وهو ممن ضعف، فقال: "إنه لزم عطاء عن أبي هريرة عن النبي ?،" يريد أنه أكثر من رواية متون أحاديث عن عطاء عن أبي هريرة، وكل ذلك بسند واحد، حتى كأنه لا يعرف غيره، وبعض تلك المتون لا توجد عند أصحاب عطاء المعروفين، وقال أبو حاتم أيضاً في ناصح بن عبد الله: "ضعيف الحديث، منكر الحديث، عنده عن سماك عن جابر بن سمرة مسندات في الفضائل كلها منكرات، كأنه لا يعرف غير سماك عن جابر."
وسئل أبو داود عن الحسن بن علي اللؤلؤي، فقال: "كذاب، غير ثقة، ولا مأمون، قال لي أبو ثور: ما رأيت أكذب من اللؤلؤي، كان على طرف لسانه: ابن جريج عن عطاء."
وهذه النصوص كلها تدخل في نقد الراوي بسبب إكثاره من رواية متون عن أحد الثقات المعروفين، وبسند واحد يلزمه حتى كأنه لا يعرف غيره.
ومن الأمثلة على الحالة الثالثة من حالات التفرد: رأي شعبة بن الحجاج في حديث يرويه إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضمعج عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول الله ?: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلماً، ولا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه،" فقد ذكر أبو حاتم الرازي ما يلي: "كان شعبة يقول: إسماعيل بن رجاء كأنه شيطان من حُسن حديثه، وكان يهاب هذا الحديث، يقول: حكم من الأحكام عن رسول الله ? لم يُشاركه أحد!."
¥