تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والملاحظ هنا أن شعبة -رحمه الله- يهاب هذا الحديث ويتردد في أمره، ويعلل ذلك بأن المتن يتضمن حكماً من الأحكام عن رسول الله ? لم يرو أحد من الثقات مثله، وهو في مسألة يكثر الحاجة لها في حياة المسلمين، ووصف شعبة لإسماعيل: بحُسن الحديث، المقصود به غرابة المتن؛ لما فيه من تفصيل وتقسيم وتحديد يستحسنه الفقيه.

وقد قال ابن أبي حاتم لأبيه بعد أن نقل كلام شعبة كالمقر له: "أليس قد رواه السُدي عن أوس بن ضمعج؟ فقال [أبو حاتم الرازي]: إنما رواه الحسن بن يزيد الأصم عن السُدي، وهو شيخ، أين كان الثوري، وشعبة عن هذا الحديث؟! وأخاف أن لا يكون محفوظاً."

وهذا كما ترى نقد من شعبة وأبي حاتم الرازي لمتن حديثي ليس راويه بالكذاب أو المتروك، بل هو صحيح عند الإمام مسلم، وكثيرين غيره، وقد أثّر هذا النقد المتني عند شعبة في نظرته لإسماعيل بن رجاء، وشعبة هو القائل، لما قيل في أحاديث عبد الملك العرزمي إنها حِسان، فقال: "من حسنها فررت."

وفي نص آخر نجد شعبة يكرر موقفه السابق من حديث إسماعيل بن رجاء، فقد ذكر أبو حاتم الرازي أن عبد الله بن دينار لما روى حديثه عن ابن عمر: "أن النبي ? نهى عن بيع الولاء، وعن هبته"، وهذا حديث كما معلوم متفق عليه، قال شعبة: "استحلفتُ عبد الله بن دينار، هل سمعتها من ابن عمر؟ فحلف لي" وهذا الحديث تفرد به عبد الله بن دينار، قال الإمام مسلم: "الناس كلهم عيال على عبد الله بن دينار في هذا الحديث،" ويعقب أبو حاتم الرازي على كلام شعبة الآنف بقوله: "كان شعبة بصيراً بالحديث جداً فَهِماً فيه، كان إنما حلّفه؛ لأنه كان يُنكر هذا الحديث، حكم من الأحكام عن رسول الله ? لم يشاركه أحد،! لم يرو عن ابن عمر أحد سواه علمنا."

ومثال آخر، وهو أن الإمام أحمد بن حنبل لما سئل عن سليمان وعبد الله ابني بريدة بن الحُصيب رضي الله عنه، قال: "سليمان أحلى في القلب، وكان أصحهما حديثاً، وعبد الله له أشياء إنا نُنكرها من حُسنها، وهو جائز الحديث،" هذا مع العلم أن عبد الله قد احتج به أصحاب الكتب الستة كلهم، والمطلع على حديثه يعلم أن أكثره عن أبيه، والظاهر أن كلام أحمد موجه للمتن لا للسند، يؤكد هذه الحقيقة أن أحمد نفسه، يقول في عبد الله بن بريدة: "عامة ما يُروى عن بريدة عنه [أي عن عبد الله ابنه] "، فالإمام أحمد فيما ظهر لي يُنكر بعض أحاديث عبد الله بن بريدة عن أبيه لما فيها من زيادات وإضافات مفصلة وأحكام لا توجد في غيرها، وكل هذه الأمور تُستحسن لغرابتها، ولكن أحمد يجعل تلك المتون الغريبة مثار تساؤل، بل استنكار؛ لأنه في بعض النصوص وجدناه يصف حديث عبد الله بن بريدة بالضعف، وبأنه روى عن أبيه أحاديث منكرة، وأن في نفسه منه شيء، وأن أخاه سليمان أوثق وأفضل منه، وأصح حديثاً.

والشواهد على هذه الحالة من حالات التفرد ليست بالقليلة، وللاطّلاع على مزيد من النصوص، يمكن مراجعة كتابنا المطول "الحديث الحسن،" فقد أفردنا فصلاً كاملاً عن التفرد وموقف الحفاظ منه.

السبب الثالث: الاضطراب

الاضطراب في المتن يعد سبباً كافياً لنقد الراوي الذي وقع منه ذلك؛ لأن الاضطراب الذي هو: رواية الحديث على أوجه مختلفة متساوية في القوة؛ يدل على وجود خلل في رواية ذلك المتن عند ذلك الراوي، وفي تقرير هذه الحقيقة العلمية يقول الإمام عبد الرحمن بن مهدي: "إنما يستدل على حفظ المحدث إذا لم يختلف عليه الحفاظ."

فأما إن اضطرب الحفاظ على ذلك المحدث فيما يرويه من متون كان هذا مشعراً بوجود الخلل، ولذا قال الإمام أحمد في عبد الملك بن عمير: إن سماك بن حرب أصلح منه، وعلل هذا الحكم بقوله: "وذلك أن عبد الملك تختلف عليه الحفاظ،" وهذا يشمل المتن بالتأكيد.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير