تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد قرر هذه الأمر الخطيب البغدادي في قوله: "فمما يوجب تقوية أحد الخبرين المتعارضين، وترجيحه على الآخر سلامته في متنه من الاضطراب، وحصول ذلك في الآخر؛ لأن الظن بصحة ما سلم متنه من الاضطراب يقوي، ويضعف في النفس سلامة ما اختلف لفظ متنه، وإن كان اختلافاً يؤدي إلى اختلاف معنى الخبر فهو آكد وأظهر في اضطرابه، وأجدر أن يكون راويه ضعيفاً قليل الضبط لما سمعه، أو كثير التساهل في تغيير لفظ الحديث، وإن كان اختلاف اللفظ لا يوجب اختلاف معناه، فهو أقرب من الوجه الأول غير أن ما لم يختلف لفظه أولى بالتقديم عليه."

ومما يدل على أن اضطراب الراوي في المتون التي يرويها يكون موجباً؛ لضعفه عند النقاد، أن الحجاج بن أرطاة روى حديثاً مرفوعاً في الحج، فقال فيه مرة: "إذا رمى أحدكم جمرة العقبة، فقد حل له كل شيء إلا النساء،" ومرة قال: "إذا رميتم، وذبحتم، وحلقتم، حل لكم، .. " ومرة قال فيه: "إذا رميتم، وحلقتم، فقد حل، .. " قال البيهقي: "هذا من تخليطات الحجاج بن أرطاة،" وقال العراقي: "مداره على الحجاج بن أرطاة، وهو ضعيف، ومع ذلك فقد اضطرب في إسناده، ولفظه،" ولذا ضعف أهل العلم الحجاج بن أرطاة؛ لوجود مثل هذه الاضطرابات في متونه، ولأسباب أخرى، كما قال الإمام أحمد في شأنه لما قيل له: لِمَ ليس هو عند الناس بذاك؟، فقال: "لأن في حديثه زيادة على حديث الناس، ليس يكاد له حديث؛ إلا فيه زيادة،" وسأل رجال أحمد عن الحجاج: ما شأنه؟، فقال: "شأنه أنه يزيد في الأحاديث،" وهذا يدل على اضطراب حفظه في المتون.

وقد جعل أئمة الجرح والتعديل الاضطراب في المتن أو الإسناد علامة على سوء الحفظ، فهاهو أبو حاتم الرازي لما سأله ابنه عن بعض الرواة لِمَ لم يحتج بههم، فقال: "كانوا قوماً لا يحفظون، فيحدثون بما لا يحفظون، فيغلطون، ترى في أحاديثهم اضطراباً ما شئت،" وفي مثل هذا يقول ابن عدي في بحر بن كنيز السقاء: "كل رواياته مضطربة، و يخالف الناس في أسانيدها، ومتونها."

ونختم هذا السبب بكلام مهم لابن القيم -رحمه الله- عن اضطراب ألفاظ المتون، يقول فيه: "وهذه طريقة ضعفاء النقد كلما رأوا اختلاف لفظ جعلوه قصة أخرى، كما جعلوا الإسراء مراراً لاختلاف ألفاظه، وجعلوا اشتراءه ? من جابر بعيره مراراً؛ لاختلاف ألفاظه، وجعلوا طواف الوداع مرتين؛ لاختلاف سياقه، ونظائر ذلك، وأما الجهابذة النقاد فيرغبون عن هذه الطريقة، ولا يجبنون عن تغليط من ليس معصوماً من الغلط، ونسبته إلى الوهم."

ثالثاً: حدود نقد المتن عند علماء الجرح والتعديل.

نصل هنا إلى مبحث مهم نسعى فيه إلى بيان الفرق الرئيس بين منهج أئمة الجرح والتعديل في نقد المتن الحديثي، ومنهج غيرهم كالمعتزلة قديماً، أو بعض المفكرين في العصر الحديث كالأستاذ أحمد أمين، وكذا عدد من المستشرقين الذين كتبوا حول السنة النبوية.

والملاحظ أن الفريق المقابل لعلماء الحديث يرى أن نقد المتن عند المحدثين لم يكن عميقاً، ولا مقارباً للجهود المبذولة في نقد السند عندهم، ثم إذا نظرنا في مطالبهم نجد أنهم يريدون نقداً عقلياً، يعتمد على النظر العقلي، والتجارب، وما إلى ذلك.

والحقيقة أن منهجية المحدثين مختلفة كل الاختلاف عن مثل هذه المطالب؛ لأن الأسس عندهم قائمة على ما يلي:

1 - الإيمان بالغيب، قال تعالى: ?ألم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ? (البقرة: 1 - 3).

2 - الإيمان بصدق نبوة محمد ? ورسالته، وأن طاعته ? واجبة، قال الإمام أحمد بن حنبل: "نظرت في المصحف، فوجدت فيه طاعة رسول الله ? في ثلاثة وثلاثين موضعاً، ثم جعل يتلو: ?فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم? (النور:63)، فجعل يكررها، ويقول: وما الفتنة؟ الشرك، لعله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ، فيزيغ قلبه فيهلك، وجعل يتلو هذه الآية: ?فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم? (النساء: 65)، ثم قال: من رد حديث النبي ? فهو على شفا هَلَكة."

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير