تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يتفق أهل الحديث على صحته، أن يشك أولاً في سلامة تلك المعارضات، ويدقق بإمعان في صحتها، ويعرضها على المحكات العلمية المعاصرة الدالة على حدود العقل، وإمكانية دخول الخطأ، والوهم، والغلط عليه، وفي مثل هذا يقول ابن قتيبة: "وقد تدبرتُ -رحمك الله- مقالة أهل الكلام، فوجدتهم يقولون على الله ما لا يعلمون، ويعيبون الناس بما يأتون، ويبصرون القذى في عيون الناس، وعيونهم تُطرف على الأجذاع، ويتهمون غيرهم في النقل، ولا يتهمون آراءهم في التأويل،" والإنصاف واجب على المسلم فيما يأخذ، وفيما يدع.

2 - الإنكار العقلي أسهل من الإثبات؛ لأن المنكر يصدر في نفيه عن عدم العلم، ولذا يقرر العلماء: أن أكثر الجهل إنما يقع في النفي لا في الإثبات، ثم إن الإنكار العقلي هو في حقيقته نفي، والنفي لا يزداد؛ لأنه موقف سلبي، ومن هنا قيل: إن العلم يتقدم بالإثبات لا بالنفي والإنكار، وإدراك هذه الحقيقة أدت بكثير من علماء الغرب إلى الاعتراف ببعض الظواهر الغريبة على العقل كـ "الباراسيكولوجي" التي كان بعض العلماء الماديين في القرن التاسع عشر الميلادي يقفون منها الإنكار والتعالي.

وعلماء الحديث مدار عملهم على أحاديث النبي ?، وللنبي ? مكانته في عقيدة المسلمين، وله عليه الصلاة والسلام خصائصه، فهو رسول من رب العالمين، ويتلقى الوحي، وأحاط بعلوم ومعارف أطلعه الله عليها لم يحط بها إي إنسان عادي، وكل هذا يعطي أحاديثه الصحيحة التي قد يستبعدها العقل خصوصية معينة؛ لقوة احتمال أن تكون من أمور الغيب.

3 - المعايير العقلية ليست واحدة بل إن العقل البشري لا يسلم من التأثر بالأهواء والأعراف والعادات، ولذا كانت أحكام العقل مختلفة في كثير من القضايا، مما يؤدي للاضطراب والتنازع والتناقض، مع أن المرجع في ذلك كله للعقل، وفي تقرير هذه الحقيقة يقول أحد العلماء المنافحين عن منهجية أهل الحديث، وهو الإمام ابن قتيبة: "وقد كان يجب مع ما يدعونه من معرفة القياس، وإعداد آلات النظر؛ أن لا يختلفوا كما لا يختلف الحُسّاب، والمُسّاح والمهندسون؛ لأن آلتهم لا تدل إلا على عدد واحد، وإلا على شكل واحد، وكما لا يختلف حذاق الأطباء في الماء، وفي نبض العروق؛ لأن الأوائل قد وقفوهم من ذلك على أمر واحد، فما بالهم أكثر الناس اختلافاً، لا يجتمع اثنان من رؤسائهم على أمر واحد في الدين ... ولو أردنا -رحمك الله- أن ننتقل عن أصحاب الحديث ونرغب عنهم إلى أصحاب الكلام ونرغب فيهم؛ لخرجنا من اجتماع إلى تشتت، وعن نظام إلى تفرق، وعن أنس إلى وحشة، وعن اتفاق إلى اختلاف."

فإلى أي عقل يكون التحاكم؟ وكيف يحتكم إلى شيء يتفاوت، ويتباين، ويتصف بالنسبية زماناً، ومكاناً؟!

إن الأخذ بالنقد العقلي للمتون سيفتح باب المعايير الذاتية، ويجعلها هي السائدة، وسيجني على المعايير الموضوعية ويقضي عليها، وفي هذا بلا شك جناية على السنة النبوية، وهدم لأسسها، وتقويض لأركانها، فأحدهم يُثبت حديثاً، والآخر ينفيه بناء على مقاييس عقله وهواه، وتصبح قواعد تمييز المقبول من المردود في السنة نهباً للفوضى التي لا ضابط لها، ولهذا رأى المحدثون سداً لهذه الذريعة، ونظراً لكثرة مفاسد هذا النوع من النقد، اتفق أئمة النقد الحديثي على غلق هذا الباب، ولا شك أن هذا منهم مراعاة لمآلات الأفعال ونتائج التصرفات.

وبقي أن نشير إلى أن هذا الموقف من علماء الحديث لا يعني بأي حال من الأحوال ازدراء العقل، أو التهوين من شأنه، وإنما يدل على أنهم عرفوا أن للعقل عيوباً ونقصاً وقصوراً، فضيقوا مجاله في نقد المتون النبوية، ومما يؤكد أن علماء الحديث لم يتجاهلوا دور العقل في النقد، مقولة الإمام الخطيب البغدادي التي يقول فيها: "ولا يقبل خبر الواحد في منافاة حكم العقل،" كما أن الشيخ المعلمي اليماني وهو أحد كبار المحدثين في العصر الحديث يرى أن علماء الحديث لم يهملوا العقل في منهجهم النقدي، بل راعوه في أربعة مواطن: عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الرواة، وعند الحكم على الأحاديث.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير