تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم يبين ذلك بقوله: "فالمتثبتون إذا سمعوا خبراً تمتنع صحته أو تبعد، لم يكتبوه ولم يحفظوه، فإن حفظوه لم يحدثوا به، فإن ظهرت مصلحة لذكره ذكروه مع القدح فيه، وفي الراوي الذي عليه تبعته، قال الإمام الشافعي في "الرسالة": "وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه، بأن يحدّث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أثبت، وأكثر دلالات بالصدق منه."

وقال الخطيب البغدادي في "الكفاية في علم الرواية": "باب وجوب إخراج المنكر والمستحيل من الأحاديث"، ... والأئمة كثيراً ما يجرحون الراوي بخبر واحد منكر جاء به، فضلاً عن خبرين أو أكثر، ويقولون للخبر الذي تمتنع صحته أو تبعد: "منكر" أو "باطل،" وتجد ذلك كثيراً في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات، والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينتقدوه حديثاً حديثاً.

فأما تصحيح الأحاديث فهم به أعنى وأشد احتياطاً. نعم ليس كل من حكي عنه توثيق أو تصحيح متثباً، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك.

هذا وقد عرف الأئمة الذين صححوا الأحاديث، أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمين ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقة للعقل المعتد به في الدين، مستكملة شرائط الصحة الأخرى، وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها، أو هي من قبيلها، قد ثقلت هي أيضاً على المتكلمين، وقد علموا أن النبي ? كان يدين بالقرآن ويقتدي به، فمن المعقول جداً أن يجيء في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات."

والمتأمل في المنهج النقدي عند المحدثين في العلل والجرح والتعديل وأصول الحديث بصورة عامة يدرك أن أئمة هذا العلم بنوا كثيراً من مقاييسهم ومعاييرهم على قرائن عقلية كما أشار إلى ذلك المعلمي، إلا أنهم لم يفتحوا الباب على مصراعيه؛ لأنهم كانوا يحتاطون في ذلك حتى لا تفلت الأمور فيصبح رد الأحاديث ميداناً مستباحاً لكل صاحب هوى أو شهوة.

ويبقى تساؤل من المهم أن نجيب عنه، وهو: لو سلّمنا لكم أن النقد العقلي للمتون الحديثية الصحيحة مضر بمكانة السنة وحجيتها، وسلمنا لكم بأن التوسع في عرض كل حديث على القرآن غير مستقيم لما تقدم، ولكن لماذا لم يتوسع المحدثون في نقد المتن الحديثي بمتن حديثي آخر؟

وللإجابة عن هذا السؤال، نقول: إن من أهم ركائز المنهج الحديثي العمل بقاعدة: "الجمع بين الأحاديث المختلفة مقدم على الترجيح،" كما قرر ذلك الشافعي وأحمد بن حنبل وابن خزيمة وغيرهم، وبناء على هذا، لم يتسرع علماء الحديث في الحكم بمعارضة متن لآخر لمجر وجود اشتباه في أن أحدهما يخالف الآخر، بل مادام الجمع ممكناً بتأويل سائغ غير متكلف فهو أولى من الحكم بتصحيح أحدهما، وتضعيف الآخر.

ولكنهم في تطبيق هذه القاعدة متفاوتون ما بين متوسع في الجمع، ومقل، و إظهار هذه الحقيقة يحتاج لاستعراض العديد من النصوص التي وقع فيها خلاف بينهم في تضعيفها، أو تصحيحها بسبب الحكم على المتن بالشذوذ أو النكارة، والله أعلم.

- - الخاتمة - -

ظهر لنا من خلال هذا البحث، أن الزعم بأن كتب الرجال والعلل قد خلت من نقد المتن، غير صحيح علمياً إذا كان المقصود بهذا النفي العموم كما هو ظاهر عبارة الدكتور الدميني. وقد تيسر لنا -بحمد الله- الوقوف على نصوص تطبيقية عدة يظهر منها بجلاء أن نقد المتن كان ركناً من أركان العملية النقدية لدى علماء الجرح والتعديل في حكمهم على الرواة.

إن الاعتماد على أقوال أئمة الجرح والتعديل في نقد سند الحديث، لا يعني وجود تجاهل لنقد المتن، إذ الحكم على الراوي من قبل أولئك الأئمة أو بعضهم على الأقل هو نتيجة ملخصة لعملية نقدية من أهم أركانها النظر في مدى سلامة متون ذلك الراوي، وعليه فإن اعتماد الباحث الحديثي على قول ابن حنبل، أو البخاري: أن فلاناً "منكر الحديث" مثلاً في تضعيف حديث ما، لا يعني تجاهل نقد المتن؛ لأن الراوي ما وصف بمثل ذلك الوصف في الغالب إلا لوجود مرويات منكرة في متونه، وبمعنى آخر فإن هناك تلازماً وترابطاً بين نقد السند ونقد المتن، فما يظنه البعض أنه نقد مجرد للسند، هو في الحقيقة نتيجة عملية شاملة لأمور عدة منها نقد المتن أيضاً.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير