" ورابعُ من نقل الإجماع أيضًا أبو بكر البيهقي (ت 458هـ):
فبعد أن ذكر البيهقي في (معرفة السنن والآثار) كلامًا للطحاوي أعل به حديثًا بعدم العلم بالسماع، أجابه البيهقي بقوله: " والذي يقتضيه مذهب أهل الحفظ والفقه في قبول الأخبار: أنه متى ما كان قيس بن سعد ثقةً والراوي عنه ثقةً، ثم يروي عن شيخ يحتمله سنُّهُ ولُقِيُّهُ، وكان غير معروف بالتدليس = كان ذلك مقبولاً ".
أقول: كلام البيهقي بين عينيك، هل فيه نقل الإجماع بشروطه المعتبرة عند المحققين؟ ثم نقلُ البيهقي عن الطحاوي كلامه أيضا يدل على أن المسألة كانت خلافية بعد الإمام مسلم إلى عهد الطحاوي (ت321هـ) ـ تفهم وتدبر.
قال الشيخ حاتم [20]:
" وخامس من نقل الإجماع ابن عبد البر الأندلسي (ت 463هـ):
قال ابن عبد البر: " اعلم (وفقك الله) أني تأمّلت أقاويل أئمة أهل الحديث، ونظرت في كتب من اشترط الصحيحَ في النقل منهم ومن لم يشترطه، فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن، لا خلاف بينهم في ذلك = إذا جمع شروطًا ثلاثة، وهي:
ـ عدالة المحدّثين في أحوالهم
ـ لقاء بعضهم بعضًا مجالسةً ومشاهدَة
ـ وأن يكونوا برآءَ من التدليس
(ثم قال:) وقد أعلمتك أن المتاخرين من أئمة الحديث والمشترطين في تصنيفهم الصحيح قد أجمعوا على ما ذكرت لك، وهو قول مالك وعامة أهل العلم (والحمد لله). إلا أن يكون الرجل معروفًا بالتدليس، فلا يُقبل حديثه حتى يقول: حدثنا أو سمعت، فهذا ما لا أعلم فيه أيضًا خلافًا " ...
ومع وضوح كلام ابن عبد البر هذا، فقد احتج به بعضُ أهل العلم على أن ابن عبد البر مخالفٌ لمسلم، وأنه يشترط العلم باللقاء!!! لذكره في شروط قبول الحديث المعنعن اللقاءَ والمجالسةَ والمشاهدة.
لكن ابن عبد البر لا يرجِّحُ قولاً على قول حتى يصح هذا الفهم، فهو لا يقول إن اشتراط العلم باللقاء قولٌ أصح من قول من لم يشترطه، بل هو ينقل الإجماعَ وعدمَ وجودِ خلافٍ على الرأي الذي يعرضه!!!.
تأول الشيخ حاتم كلام ابن عبد البر بما لا يحتمله
أقول: خصمك فهمَ كلام ابن عبد البر صحيحا، لأنه قال " فوجدتهم أجمعوا على قبول الإسناد المعنعن ـ لا خلاف بينهم في ذلك ـ إذا جمع شروطا ثلاثة، وهي:
ـ عدالة المحدثين في أحوالهم؛
ـ لقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة؛
ـ وأن يكونوا برآء من التدليس ".
هذه الشروط التي نقلتها من ابن عبد البر ومن جملة شروطه:
الشرط الثاني: " لقاء بعضهم بعضا مجالسة ومشاهدة ".
أليس معنى قوله إذا وجدت هذه الشروط الثلاثة جميعًا في الحديث المعنعن فحينئذٍ مقبول إجماعًا؟ ثم تأولت كلامه بما لا يحتمله ـ إنا لله وإنا إليه راجعون ـ يظهر من هذا أنك تأول نصوصًا منقولة من العلماء لإثبات مذهبك ـ والله المستعان.
أقول: ثم ذكرت بعض الأشياء وهو رأي ابن عبد البر؛ أو غيره ـ مثلا قولك [21]:
وقال (3/ 251): " قال قوم لم يسمع زيد بن أسلم من جابر بن عبد الله، وقال آخرون سمع منه، وسماعه من جابر غير مدفوع عندي، وقد سمع من ابن عمر، وتوفي ابن عمر قبل جابر بنحو أربعة أعوام ".
أقول: يا شيخ حاتم! أنت أخطأت في فهم كلام ابن عبد البر، بل كلامه يؤيد كلام الذين نسبوا شرط اللقاء إلى الإمام البخاري وغيره، وأيضا أن هذه المسألة ما زالت خلافية، فيه رأي ابن عبد البر ورأي غيره خلافه ـ فافهم.
ذكر بقية أدلة الشيخ حاتم على
الإجماع والمناقشة عليها
قال الشيخ حاتم [22]:
" وسادسُ من نقل الإجماع أبو محمد ابن حزم (ت 456هـ):
قال ابن حزم (في الإحكام في أصول الأحكام): وإذا علمنا أن الراوي العدل قد أدرك من روى عنه من العدول، فهو على اللقاء والسماع، لأن شرط العدل القبول، والقبول يضاد تكذيبه في أن يسند إلى غيره ما لم يسمعه، إلا أن يقوم دليل على ذلك من فعله. وسواء قال (حدثنا) أو (أنبأنا)، أو قال (عن فلان)، أو قال (قال فلان) = كل ذلك محمول على السماع منه. ولو علمنا أن أحدًا منهم يستجيز التلبيس بذلك كان ساقط العدالة، في حكم المدلس. وحكم العدل الذي قد ثبتت عدالته فهو على الورع والصدق، لا على الفسقِ والتهمةِ وسوءِ الظن المحرَّم بالنص، حتى يصحَّ خلافُ ذلك. ولا خلاف في هذه الجملة بين أحدٍ من المسلمين،
¥