وإنما تناقض من تناقض في تفريع المسائل ".
أقول: من أراد أن يعرف كلام ابن حزم في الإجماع فعليه بالإحكام [23]. ثم يطابق كلامه هذا هل يوافقه أم لا؟
قال الشيخ حاتم [24]:
" الدليل السابع:
أنّ أصحابِ الكتب المتخصّصة في بيان شروط الأئمة الستة أو الخمسة لم يذكروا شرطَ العلم باللقاء عن البخاري أو غيره.
فقد أُلِّفَتْ في شروط الأئمة كتبٌ أقدمُها وأهمّها ثلاثة كتب، نحمد الله تعالى أنها أُلِّفت قبل القاضي عياض ودعواه نسبة ذلك الشرط إلى البخاري وابن المديني.
فأول من ألف في شروط الأئمة: أبو عبد الله ابن منده (ت 395هـ).
وتلاه محمد بن طاهر المقدسي (ت 507هـ).
وجاء آخرهم أبو بكر محمد بن موسى الحازمي (ت 584هـ) ـ " ... إلخ.
أقول: ذكر الشيخ حاتم ثلاثة كتب في شروط الأئمة، ومصنف الثالث (ت 584هـ) فكيف يصح قوله: " أنها ألفت قبل القاضي عياض " (ت 544هـ)؟ فاعتبروا يا أولي الألباب! أليس يصدق عليه قول القائل: أنت لا تحسن الحساب؟
وبين يدى الآن شروط الأئمة الستة للمقدسي يقول فيه في أوائل الكتاب: " إن بعض أهل الصنعة سألني ببغداد عن شرط كل واحد من هؤلاء الأئمة في كتابه فأجبته بجواب أنا أذكره هاهنا بعينه ورمته قلت: اعلم أن البخاري ومسلمًا ومن ذكرنا بعدهم لم ينقل عن واحد منهم أنه قال: شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني، وإنما يعرف ذلك من سبر كتبهم فيعلم بذلك شرط كل رجل منهم ".
هذا نص كلام المقدسي، فإنه نفى الشرط الذي ذكرته لمسلم من خطبة كتابه، فإما أنه لم يفهم منه الإجماع، أو أن الإمام مسلم حذف هذا القدر من مقدمته في آخر حياته فالرواية التي وصلت إليه كانت بدونه، إلا أن الحازمي في كتابه [25] قال: وأما شرط مسلم فقد صرح به في خطبة كتابه. وهذا أول من وافقك، وجاء بعد القاضي عياض لا قبله كما فهمت، وبين وفاته ووفاة مسلم تقريبا 322 سنة ـ فافهم وتدبر.
هل فهمت كلام هؤلاء؟ معنى كلامهم أنهم لم يعتبروا قول مسلم شرطا لجميع المحدثين، ولم يعتبروه إجماعا.
قال الشيخ حاتم [26]:
" الدليل الثامن:
نسبةُ محمد بن طاهر المقدسي شرطَ الاكتفاء بالمعاصرة إلى البخاري ومسلم كليهما.
ولا تنسى أن ابن طاهر هو صاحب شروط الأئمة الستة.
يقول ابن طاهر في مقدّمة كتابه (الجمع بين رجال الصحيحين): " إن كُلَّ من أخرجا حديثه في هذين الكتابين ـ وإن تكلم فيه بعضُ الناس ـ يكون حديثُه حجةً، لروايتهما عنه في الصحيح. إذ كانا (رحمةُ الله عليهما) لم يُخرجا إلا عن ثقة عدل حافظ، يحتمل سِنُّهُ ومولدُه السماعَ مِمّن تقدّمه، على هذه الوتيرة، إلى أن يصل الإسنادُ إلى الصحابي المشهور ".
وهكذا لا يفرّق ابن طاهر بين الشيخين في شرط الحديث المعنعن، وينصّ على اكتفائهما بالمعاصرة ".
أقول: قد مر كلامه في ذكر شرطهما " لم ينقل عن واحد منهم أنه قال: شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني ... إلخ " فقوله هاهنا بالظن والتخمين، والظن لا يغني من الحق شيئا.
قال الشيخ حاتم [27]:
" الدليل التاسع:
نصوصٌ للعلماء تدل على أنهم لا يشترطون في الحديث المعنعن العلمَ باللقاء.
أولاً: الإمام الشافعي (ت 204هـ).
قال الشافعي في الرسالة على لسان سائل: " فقال: فما بالك قبلت ممن لم تعرفه بالتدليس أن يقول (عن)، وقد يمكن فيه أن يكون لم يسمعه؟
فقلت له: المسلمون العدولُ عدولٌ أصحّاءُ الأمر في أنفسهم ... (إلى أن قال:) وقولُهم (عن) خبرُ أنفسِهم، وتسميتُهم على الصحّة. حتى نستدلّ من فعلهم بما يخالف ذلك، فنحترسَ منهم في الموضع الذي خالف فعلُهم فيه ما يجب عليهم.
ولم نعرف بالتدليس ببلدنا، فيمن من مضى ولا من أدركنا من أصحابنا، إلا حديثًا، فإن منهم من قبله عمن لو تركه عليه كان خيرًا له.
وكان قولُ الرجل (سمعت فلانًا يقول سمعت فلانًا) وقوله (حدثني فلان عن فلان) سواء عندهم، لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه، ممن عناه بهذه الطريق، قبلنا منه (حدثني فلان عن فلان) ـ ".
أولاً: لا شك أن الشافعي لا يقبل الحديث المعنعن من غير المتعاصرين ".
أقول: هذا فهمك، وقد ذكرتَ عن ابن حجر قبل هذا الكلام [28] فقلتَ:
¥