" فمع أن الحافظ قد نقل كلام الشافعي مستدلاًّ به على أنه يشترط العلم باللقاء إلا أنّنا سنقف عند كلامه، لنرى هل فيه دلالةٌ على ذلك، أم أنّه على نقيض ما ذكر؟! ".
أقول: نص واحد فهم منه ابن حجر غير الذي فهمته، مع أن الحافظ من مقلدي الشافعي وأقرب منه زمانا؛ لعل الحافظ فهم من قول الشافعي: " وكان قول الرجل: سمعت فلانا يقول: سمعت فلانا؛ وقوله: حدثني فلان عن فلان سواء عندهم، لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه ممن عناه بهذا الطريق قبلنا منه: حدثني فلان عن فلان ".
الشيخ حاتم جعل الإمام الشافعيَّ مقلدًا
للإمام مسلم في هذه المسألة!!!
ثم قال الشيخ حاتم [29]:
" فالسائل إذن يقول للشافعي: ما بالك قبلت من المتعاصرين العنعنة إذا سلموا من التدليس؟
إذن فالسؤال عن مذهب مسلم عينِه ... حرفًا بحرف، ينسبه السائلُ إلى الشافعي.
فلم يقل له الشافعي أخطأتَ في ما نسبتَه إلىّ، بل أقرّ ما تضمّنه سؤاله، وأخذ يجيب عن سؤاله مبيّنًا مسوّغات وأسباب ذلك المذهب.
وهذا أوّل ما دلّنا على أن الشافعي على مذهب مسلم في الحديث المعنعن!!! ".
أقول: قد أخطأ الشيخ حاتم هاهنا في تعبير قول الإمام الشافعي إذ جعله مقلدًا للإمام مسلم، مع أن الإمام مسلمًا ولد في سنة (204 أو 206هـ) وتوفي الإمام الشافعي في سنة (204هـ)!!!
ثم ذكر كلام الحميدي من الكفاية " لأن ذلك عندي على السماع "، ثم ذكر كلام الخطيب، ثم قال: " وبذلك نضيف الحميدي شيخ البخاري إلى مصاب من كان على مذهب مسلم "!!
السؤال: هل الحميدي قبل مسلم أو بعده؟
هذه نقولات بدون معرفة الدليل تقليد محض، والتقليد عندك منكر كما ذكرتَه في مقدمة كتابك هذا، ثم قلدت الناس بدون شعور، وبدون فهم ـ والله المستعان.
بعض الاعتراضات على البخاري والجواب عنه
قال الشيخ حاتم [30]:
" الدليل العاشر:
صحيح البخاري نَفْسُه.
فمع أنه قد سبق أن قلنا: إن صحيح البخاري لا ينفع أن يكون دليلاً على أن البخاري يشترط العلم باللقاء، حتى لو تحقّق فيه هذا الشرط؛ ... ـ إلى أن قال ـ:
وسنترك الإجمال إلى البيان، بضرب أمثلةٍ تدل على اكتفاء البخاري في صحيحه بالمعاصرة:
المثال الأول: حديثا أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، الأول حديث: " خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه "؛
والثاني: حديث حصار عثمان، وما فيه من قصّة حفر بئر رومة وتجهيز جيش العُسْرة.
أخرجهما البخاري في صحيحه: مع نفي كُلّ من شعبةَ وابنِ معين سماعَ أبي عبد الرحمن السُّلمي من عثمان رضي الله عنه، ومع قول أبي حاتم الرازي: " روى عنه ولم يذكر سماعًا "، ورضي الإمام أحمد عن نفي شعبة لسماعه من عثمان.
أقول: ليس الأمر كما فهمه الشيخ حاتم، بل السماع من عثمان لأبي عبد الرحمن أثبته البخاري في تاريخه الكبير [31] وقد نقل منه الحافظ في هدى الساري [32]. وأنت تعلم من عرفه حجة على من لا يعرفه ".
تنبيه: هل فهمت قول أبي حاتم الرازي: " روى عنه ولم يذكر سماعا "؟ ولماذا؟ أما يعرف الرازيّ أن السلمي معاصر لعثمان، وليس من المدلسين، فتكفي المعاصرة؟ ـ فتدبر.
قال الشيخ حاتم [33]:
" المثال الثاني: حديث عروة بن الزبير، عن أمّ سلمة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: " إذا أقيمت صلاة الصبح فطُوفي على بعيرك والناسُ يُصلّون ".
ذكره الدارقطني في (التتبُّع)، وقال: " هذا مرسل " وبيّن أنه رُوي من طريق عُروة عن زينب بنت سلمة عن أم سلمة.
وقال الطحاوي في (بيان مشكل أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم): " عروة لا نعلم له سماعًا من أم سلمة " ... ـ إلى أن قال ـ: بل يظهر أن البخاري كان معتمدًا على رواية عروة عن أم سلمة؛ لأنه أورد إسناد حديث عروة عن زينب عن أم سلمة، ثم لم يذكر لفظه، وأحال على لفظ حديث عروة عن أم سلمة، وأورده بإسناده ومتنه كاملاً.
إذن فهذا الحديث داخلٌ في أصل موضوع كتاب البخاري، الذي يشترط فيه الصحّة ".
¥