ـ[محمد بن عبدالله]ــــــــ[14 - 12 - 06, 11:56 ص]ـ
أدلة من قبل تفرد الصدوق:
1 - الأصل في حديث العدل القبول بدليل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6].
فدلت الآية الكريمة بمفهوم المخالفة على أن خبر العدل لا يتثبت في قبوله ولا يُتشكك في صحته، والصدوق كالثقة يشملهما اسم العدالة، وقد اتفق أهل العلم كما يقول الخطيب البغدادي [1] على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره لوجب قبوله.
و"الصدوق" الذي يهم أحياناً يستحق الدخول في ذلك، بدليل أن البخاري قال في كتابه الجامع الصحيح: (كتاب أخبار الآحاد، باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الأذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام) [2].
وقال الحافظ ابن حجر مفسراً هذا الكلام: (المراد بالإجازة جواز العمل به، والقول بأنه حجة) [3].
فلا فرق حقيقي بين الثقة والصدوق في وجوب قبول الخبر.
2 - الغالب على من وصف بأنه "صدوق" أن أحاديثه مستقيمة، والحكم للغالب، فإذا تفرد بشيء لم يتبين لنا وهمه فيه، فعلينا أن نحتج به؛ لأن الأصل فيه الحفظ والاستقامة وعدم الخطأ، يقول الدكتور عبدالعزيز التخيفي: (ومن ادعى على الراوي الموصوف بأنه "صدوق" بالوهم في شيء من مروياته فعليه الدليل؛ لأن الغالب عليه من حيث الحفظ أنه ضابط لحديثه) [4].
3 - الذي يفهم من نص كتب المصطلح أن الجمهور يحتجون بالحسن لذاته وفي ذلك دليل على أن تفرد الصدوق حجة عند الجمهور، لأن الصدوق إما أن يوافق غيره من المعتبر بهم فيكون حجة عند الجميع، وإما أن يخالف فيكون غير حجة، وإما أن ينفرد، فدل قولهم أن الحسن لذاته حجة على قبول تفرده وإلا أصبح كلامهم لا فائدة منه ولا طائل من ورائه.
4 - ما من ثقة إلا له بعض الأحاديث التي يتفرد بها ولم يشاركه فيها أحد، وقد قبلت الأمة جملة من الأخبار النبوية مع تفرد الثقات بها.
من ذلك حديث (إنما الأعمال بالنيات) [5] لم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمر بن الخطاب، ولا عن عمر إلا علقمة بن وقاص الليثي، ولا عن علقمة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولا عن محمد إلا يحيى بن سعيد، وهو من أشهر الأحاديث، بل خطب به عمر رضي الله عنه على المنبر ومع ذلك لم ينقله عنه بإسناد صحيح إلا راوٍ واحد فقط، ولا عن ذاك الراوي إلا راوٍ واحد فقط أيضاً مع شهرة الحديث، ومسيس الحاجة إليه في كل أبواب العلم والفقه، ومنه استنبطت قاعدة مهمة هي: (الأمور بمقاصدها) التي تعتبر إحدى القواعد الكلية في الفقه الإسلامي، مع ذلك كله فليس له إلا إسناد واحد صحيح فقط، ومثل هذا كثير في أحاديث الصحيحين، فكم فيهما من حديث قد تُفرد به [6].
فإذا كان هذا في الثقات، وعُرف أن الفرق الجوهري بين الثقة والصدوق هو في "خفة الضبط" أو وجود بعض الأوهام غير الكثيرة؛ فما المانع أن يُعامل الصدوق كالثقة في ذلك، لاسيما وأن اسم القبول شامل لهما، وأن الفرق بينهما يسير، ولا يبلغ أن يكون مؤثراً في حكم تفرد أحدهما عن الآخر.
5 - من المعلوم أن كثيراً من الرواة يحرصون على أن يتفردوا عن أقرانهم وزملائهم بأحاديث حتى يتميزوا بذلك.
وأخبار المحدثين في ذلك كثيرة، منها على سبيل المثال قول عبدالرزاق: (كنتُ أسمع الحديث من العالم فأكتمه حتى يموت العالم) [7].
وقال قيس بن الربيع: (كنا إذا أتينا المشايخ قَدَّمنا سفيان الثوري فكتب لنا، وكان أخفنا كتابة، فكان إذا مر بحديث صغيرٍ حسن، حَفِظه ولم يكتبه، ففطنا له، فعزلناه) [8].
وقال شعبة: (حدثنا سلمة بن كُهيل - والحمد لله الذي لم يسمع سفيان منه - عن أبي عمرو الشيباني عن عبدالله ... ) [9].
وقال ابن معين: (أشتهي أن أقع على شيخ ثقة عنده بيت مليء كتباً، أكتب عنه وحدي) [10].
وقال ابن جريج لسفيان بن عيينة: (أما أنت مسلم؟! تخبئ عني الأحاديث حتى يذهبوا) [11].
وقد خصص الحافظ الخطيب البغدادي باباً سماه: (المنافسة في الحديث بين طلبته، وكتمان بعضهم بعضاً للضن بإفادته)، أورد فيه جملة من قصص المحدثين وأخبارهم في ذلك [12].
ولا شك أن المحدثين كغيرهم من البشر يحبون التميز، ولكن حبهم لذلك يختلفون فيه - أو يختلف أكثرهم إن شاء الله - فيه عن غيرهم بأنه رغبة في الثواب وزيادة الأجر وحرص على المعروف والتنافس في الخير.
¥