تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال أيضاً: (كلام الخليلي في تفرد الشيوخ، والشيوخ في اصطلاح أهل هذا العلم عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ، وقد يكون فيهم الثقة وغيره، فأما ما انفرد به الأئمة والحفاظ فقد سماه الخليلي فرداً، وذكر أن أفراد الحفاظ المشهورين الثقات، أو أفراد إمام من الحفاظ الأئمة صحيح متفق عليه) [34] وقد ذكر الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف الباجي (ت474هـ) كلاماً في (تفرد حماد بن سلمة وغيره من الشيوخ عن قتادة عن أنس، وأنه إذا كان الحديث معروفاً من غير تلك الطريق عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أنس لم يُردَّ، وإن كان لا يُعرف من حديث أنس ولا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم من غير تلك الطريق فهو منكر) [35].

وهذا الكلام مطابق لكلام البرديجي المنقول آنفاً وأظن الباجي أخذه منه ولكن لم ينسبه إليه، وذكره له مع عدم تعقبه يدل على إقراره له ولو في الجملة، إلا أن الباجي صرح بأن تفرد الإمام مالك وأمثاله بحديث يكون محتملاً [36].

والملاحظ في النصوص السالفة أن بعضها صَرَّح بالرد، والبعض صرح بالتوقف، وكلا الأمرين يجمعهما عدم الاحتجاج بالحديث ابتداءً، إلا أنني

آثرتُ استعمال لفظ (التوقف) في عنوان المطلب لما يلي:

1 - لنص الخليلي والذهبي وابن رجب، ومفهوم كلام الطبري عن (وجوب التثبت في الحديث المنفرد)، ولمفهوم عبارة ابن أبي حاتم: (وينظر فيه)، مما يشعر بالتوقف.

2 - لا يُشك أن تفرد الصدوق ليس كتفرد الضعيف المتفق على ضعفه، فوجب التفريق بينهما؛ لأن تفرد الصدوق مشكوك فيه عند من لا يقبله، وأما تفرد الضعيف فالمترجح في الظن أنه خطأ، ولهذا فالأولى أن يُستعمل لفظ (التوقف) بدل الرد إلا بالنسبة لمن صرح بالرد كالبرديجي مثلاً فيُحافظ على عبارته كما قالها، وأما من حيث عموم المذهب فلفظ (التوقف) أولى.

3 - حقيقة التوقف المقصود هنا يعني التريث والنظر طلباً للترجيح في حديثٍ بعينه من أحاديث ذلك المنفرد، فهو توقف نظر وفحص وتثبت، وليس توقفاً مطلقاً لكون الأدلة متكافئة كما هو موقف من توقف في راوٍ أوفي مسألة لعدم التوصل إلى رأي راجح، والفرق بين التوقفين أن التوقف الأول وقتي، والغرض منه البحث والتفتيش لاحتمال وجود قرينة ترجح قبول ذلك التفرد، أما التوقف الثاني فهو توقف دائم فهو نتيجة للبحث والنظر حصل بعدهما التوقف بصفته نتيجة ما بعد البحث.

وسنرى في بعض النصوص التي سنذكرها عن يحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل أنهما تراجعا عن رأيهما في بعض التفردات لما وقفا على ما يدل على أن ذاك المنفرد قد توبع.

وسنذكر فيما يلي بعض النصوص التطبيقية لبعض أئمة النقد، التي تدل على التوقف عن بعض ما يتفرد به الثقة أو الصدوق وهؤلاء هم:

أولاً: يحيى بن سعيد القطان.

ثانياً: أحمد بن حنبل.

ثالثاً: أبو حاتم الرازي.

رابعاً: أبو جعفر العقيلي.

خامساً: النسائي.

أولاً: يحيى بن سعيد القطان:

(النص الأول): في مسائل الإمام أحمد بن حنبل لابن هانيء النيسابوري، ورد هذا النص: (قال لي أبو عبدالله [37]: قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيد الله أخطأ إلا في حديث واحد لنافع. حديث عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام).

قال أبو عبدالله: فأنكره يحيى بن سعيد عليه.

قال أبو عبدالله: فقال لي يحيى بن سعيد: فوجدته قد حدث به العمري الصغير عن نافع عن ابن عمر مثله.

قال أبو عبدالله: لم يسمعه إلا من عبيد الله، فلما بلغه عن العمري صححه) [38].

والحديث رواه يحيى بن سعيد عن عبيد الله به عند البخاري في صحيحه وغيره [39]، ورواه آخرون غير يحيى عن عبيد الله به [40]، وله طرق أخرى عن نافع به من غير طريق عبيدالله [41].

وعبيدالله بن عمر العمري، يرى القطان أنه أثبت من الإمام مالك في نافع [42]، وهذا يدل على أنه يراه من كبار الثقات الأثبات، ومع ذلك فقد استنكر حديثه السابق، ولم يُزل النكارة إلا لما رأى متابعة عبدالله بن عمر العمري لأخيه، ومن المعلوم أن عبيدالله أوثق وأثبت من أخيه الذي تكلم في حفظه النقاد [43]، وعبيدالله أكبر سناً وإن كان مصغراً في الاسم، وعبدالله مكبر في الاسم وهو الأصغر سناً، وكان يحيى القطان لا يحدث عن عبدالله استضعافاً له [44].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير