قلت: عن من يا أبا محمد؟ قال: عن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- كانوا يقولون أو كانوا يفعلون ذلك)) (11).
أدلة القول الثاني: قالوا:إن النهي الوارد في حديث أم سلمة -رضي الله عنها-، محمولٌ على كراهة التنزيه وليس ذلك بحرام.
وأيدوا قولهم بحديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-قَالَت:
((لَقَدْ كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَبْعَثُ هَدْيَهُ إِلَى الْكَعْبَةِ فَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا حَلَّ لِلرِّجَالِ مِنْ أَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ النَّاسُ)) (12).
قال الإمام الشافعي: "البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية فدل أنه لا يحرم ذلك" (13).
وحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه.
قال الماوردي: ((فكان هدي رسول الله ? وضحاياه، لأنه كان بالمدينة وأنفذها مع أبي بكر ? سنة تسع، وحكمها أغلظ لسوقها إلى الحرم، فلما لم يحرم على نفسه شيئاً كان غيره أولى إذا ضحى في غير الحرم)) (14).
وقال النووي: ((مَذْهَبُنَا أَنَّ إزَالَةَ الشَّعَرِ وَالظُّفْرِ فِي الْعَشْرِ لِمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ حَتَّى يُضَحِّيَ , وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ , وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد: يَحْرُمُ , وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ , وَحَكَى عَنْهُ الدَّارِمِيُّ: يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الْوَاجِبِ.
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالتَّحْرِيمِ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ:" كُنْت أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُقَلِّدُهُ وَيَبْعَثُ بِهِ , وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ , قَالَ الشَّافِعِيُّ: الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ إرَادَةِ التَّضْحِيَةِ , فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)) (15).
أدلة القول الثالث: احتجوا بحديث أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-السابق وحملوه على الإباحة وقدموه على حديث أم المؤمنين أم سلمة –رضي الله عنها-.
قال الطحاوي بعد أن ذكر حديث أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها-:
(( .. ففي ذلك دليل على إباحة ما قد حظره الحديث الأول – يعني حديث أم سلمة – ومجيء حديث عائشة رضي الله عنها أحسن من مجيء حديث أم سلمة رضي الله عنهما لأنه جاء مجيئاً متواتراً.
وحديث أم سلمة فلم يجئ كذلك، بل قد طعن في إسناد حديث مالك، فقيل إنه موقوف على أم سلمة.
ثم ذكر الطحاوي حديث أم سلمة برواية مالك وفيه:"عن أم سلمة رضي الله عنها ولم ترفعه قالت: من رأى هلال ذي الحجة … الخ".
وذكر رواية أخرى وفيها:" عن أم سلمة مثله ولم ترفعه …".
ثم قال الطحاوي:
((وأما النظر في ذلك فقد رأينا الإحرام ينحظر به أشياء مما قد كانت كلها قبله حلالاً، منها الجماع والقبلة وقص الأظفار وحلق الشعر وقتل الصيد فكل هذه الأشياء تحرم بالإحرام وأحكام ذلك مختلفة.
فأما الجماع فمن أصابه في إحرامه فسد حجه، وما سوى ذلك لا يفسد إصابته الإحرام فكان الجماع أغلظ الأشياء التي يحرمها الإحرام.
ثم رأينا من دخلت عليه أيام العشر وهو يريد أن يضحي أن ذلك لا يمنعه من الجماع، فلما كان ذلك لا يمنعه من الجماع، وهو أغلظ ما يحرم بالإحرام، كان أحرى أن لا يمنع مما دون ذلك)) (16).
وقال ابن عبد البر: ((قد صح أنّ النبي عليه السلام إذ بعث بهديه لم يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم،وصح أنه كان يضحي صلى الله عليه وسلم ويحض على الضحية، ولم يصح عندنا أنه صلى الله عليه وسلم في العام الذي بعث فيه بهديه ولم يبعث بهديه لينحر عنه بمكة إلا سنة تسع مع أبي بكر ولا يوجد أنه لم يضح في ذلك العام والله أعلم.
والقياس على ما أجمعوا عليه من جواز الإجماع أن يجوز ما دونه من حلاق الشعر وقطع الظفر وبالله - عزّ وجلّ-التوفيق)) (17).
¥