تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال أبو عبد الله الآبي المالكي: ((مذهبنا أنه لا يلزم العمل بهذه الأحاديث - روايات حديث أم سلمة – لحديث عائشة … وبعثُ الهدي آكدُ من إرادة الأضحية)) (18).

المناقشة والترجيح:

وقد أجاب أصحاب القول الأول عن الاستدلال بحديث أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قائلين:

إن حديث أم سلمة في الأضحية، وحديث عائشة في الهدي فلا تعارض بينهما ولاحتمال خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، لان عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة تخبر عن قوله والقول مقدم على الفعل.

ويمكن أن يقال:إن حديث عائشة عام، وحديث أم سلمة خاص، والخاص مقدم على العام (19).

قال ابن قدامة: ((وَحَدِيثُهُمْ عَامٌّ , وَهَذَا خَاصٌّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ , بِتَنْزِيلِ الْعَامِّ عَلَى مَا عَدَا مَا تَنَاوَلَهُ الْحَدِيثُ الْخَاصُّ)) (20).

وقال الشوكاني: ((ولا يخفى أن حديث الباب – أي حديث أم سلمة – أخص منه – أي من حديث عائشة - مطلقاً فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ولكن على من أراد التضحية)) (21).

وأما القول الثالث فظاهر الضعف، إذ هو مبني على قياس في مقابلة النص، وهذا القياس فاسد الاعتبار،وأما عن إعلال حديث أم سلمة بالوقف فقد تقدم الجواب عنه وأن روايته مرفوعاً قد ثبتت.

قال ابن قدامة:

((وَلَنَا مَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ..... وَلِأَنَّهُ يَجِبُ حَمْلُ حَدِيثِهِمْ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ مَا نَهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْه} [هود: من الآية88].

وَلِأَنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِ النَّهْيِ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا , وَلَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَفْعَلَهُ , فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ مَا فَعَلَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عَلَى غَيْرِهِ ; وَلِأَنَّ عَائِشَةَ تَعْلَمُ ظَاهِرًا مَا يُبَاشِرُهَا بِهِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ , أَوْ مَا يَفْعَلُهُ دَائِمًا , كَاللِّبَاسِ وَالطِّيبِ , فَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ نَادِرًا , كَقَصِّ الشَّعْرِ , وَقَلْمِ الْأَظْفَارِ , مِمَّا لَا يَفْعَلُهُ فِي الْأَيَّامِ إلَّا مَرَّةً , فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا لَمْ تُرِدْهُ بِخَبَرِهَا , وَإِنْ احْتَمَلَ إرَادَتَهَا إيَّاهُ , فَهُوَ احْتِمَالٌ بَعِيدٌ , وَمَا كَانَ هَكَذَا , فَاحْتِمَالُ تَخْصِيصِهِ قَرِيبٌ , فَيَكْفِي فِيهِ أَدْنَى دَلِيلٍ , وَخَبَرُنَا دَلِيلٌ قَوِيٌّ , فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّخْصِيصِ ; وَلِأَنَّ عَائِشَةَ تُخْبِرُ عَنْ فِعْلِهِ وَأُمَّ سَلَمَةَ عَنْ قَوْلِهِ , وَالْقَوْلُ يُقَدَّمُ عَلَى الْفِعْلِ ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ خَاصًّا لَهُ)) (22).

وقال ابن القيم:

((وَأَسْعَد النَّاس بِهَذَا الْحَدِيث: مَنْ قَالَ بِظَاهِرِهِ لِصِحَّتِهِ , وَعَدَم مَا يُعَارِضهُ.

وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَهُوَ إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ فِي أَهْله فَإِنَّهُ يُقِيم حَلَالًا , وَلَا يَكُون مُحْرِمًا بِإِرْسَالِ الْهَدْي , رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَف: يَكُون بِذَلِكَ مُحْرِمًا , وَلِهَذَا رَوَتْ عَائِشَة لَمَّا حُكِيَ لَهَا هَذَا الْحَدِيث.

وَحَدِيث أُمّ سَلَمَة يَدُلّ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّي أَمْسَكَ فِي الْعَشْر عَنْ أَخْذ شَعْره وَظُفْره خَاصَّة , فَأَيّ مُنَافَاة بَيْنهمَا؟ وَلِهَذَا كَانَ أَحْمَد وَغَيْره يَعْمَل بِكِلَا الْحَدِيثَيْنِ: هَذَا فِي مَوْضِعه , وَهَذَا فِي مَوْضِعه.

وَقَدْ سَأَلَ الْإِمَام أَحْمَد أَوْ غَيْره عَبْد الرَّحْمَن بْن مَهْدِيّ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ؟ فَقَالَ: هَذَا لَهُ وَجْه , وَهَذَا لَهُ وَجْه.

وَلَوْ قُدِّرَ بِطَرِيقِ الْفَرْض تَعَارُضهمَا لَكَانَ حَدِيث أُمّ سَلَمَة خَاصًّا , وَحَدِيث عَائِشَة عَامًّا. وَيَجِب تَنْزِيل الْعَامّ عَلَى مَا عَدَا مَدْلُول الْخَاصّ , تَوْفِيقًا بَيْن الْأَدِلَّة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير