لا. فإن المثال والمثالين لا تبنى عليهما قاعدة، لكننا نحكم للأغلب من أحكامه على الرواة إن كانت عندنا الأهلية لذلك، وما أحسن حكم الإمام الألباني – رحمه الله - عليه بأن عنده شيء من التساهل وهذا ملموس وعندي له أمثلة كثيرة ولله الحمد على ذلك، لكننا نقول: ويشتد التساهل شيئًا ما في طبفات التابعين وأتباعهم كما نبه عليه العلامة المعلمي – رحمه الله -.
وعلى كل فهو كما يقول الإمام الذهبي – رحمه الله -: وله كلام جيد في الرجال مقبول. والله أعلم.
المأخذ السادس
قوله بجواز الاستشهاد بالمنكر الذي هو تفرُّد الضعيف
قال الشيخ: الفرق بين قولهم في حديث منكر وقولهم في الراوي منكر الحديث: قال: فإن قال حديث منكر فإذا كان يعني به مخالفة الضعيف لمن هو أوثق منه فهذا الحديث لا يستشهد به، وإن كان يعني انفراد الضعيف بهذا الحديث فإن وجد له متابع يستشهد به، وإن كان يعنى أنه من أفراد الثقات فهذا يحتج به ا. هـ.
قلت: هذا مخالف لما عليه أئمة الحديث من السابقين واللاحقين من عدم الاستشهاد بالمنكر كما سيأتي نقله عن بعضهم إن شاء الله.
وللرد عليه نحب أن نبين قبله بشيء من البسط اصطلاح الأئمة في إطلاقهم منكر الحديث أو حديثه منكر .. فهي على أحوال:
الأولى: على تفرد الثقة بحديث لم يتابع عليه وهذا هو الذي صرح به البرديجي إلا أنه أطلق لفظ التفرد. انظر (المقدمة مع التقييد صـ105ـ) و (شرح علل الترمذي [2/ 450) فإنه نقل عنه أنه أراد تفرد الثقة.
وقد وجدَ غيره مجموعة من الأئمة يطلقون على مجرد تفرد الثقة بحديث لم يتابع عليه أنه منكر، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – لما قال أحمد في محمد بن إبراهيم التيمي: له مناكير: قلت المنكر أطلقه أحمد بن حنبل وجماعة على الحديث الفرد الذي لا متابع له فيحمل هذا على ذلك. ا. هـ من (هدي الساري صـ437).
وقال – رحمه الله – فإن ابن سعد والإمام أحمد وجماعة يطلقون المنكر على الفرد المطلق. (انتقاض الاعتراض 2/ 679).
وحكاه ابن رجب عنهم في كلام طويل ثم قال: "فتلخص من هذا أن النكارة لا تزول عند يحيى القطان والإمام أحمد والبرديجي وغيرهم من المتقدمين إلا بالمتابعة. (شرح علل الترمذي صـ333).
وقال الإمام النووي – رحمه الله -: "فإنهم قد يطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث وهذا ليس بمنكر مردود إذا كان الثقة ضابطا متقنا". ا. هـ من (شرح صحيح مسلم1/ 17ـ18).
إلا أن هاهنا إشكالا يرد علينا وهو أن الحافظ ابن حجر – رحمه الله - يقول في (النكت2/ 674): "وهذا مما ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده ". ا. هـ.
فمفهوم كلامه أنهم يطلقون منكر الحديث على تفرد الضعيف لا الثقة وهذا مخالف لما نقلناه عنه قبل، وكذا لما قرره ابن رجب والنووي من أنهم يطلقون النكارة حتى على تفرد الثقة كما تقدم نقله - وقد ذكر الحافظ ابن رجب لذلك أمثلة في كتابه الفذ (شرح علل الترمذي 2/ 450ـ456) - ولا يريدون به الإعلال كما تقدم نقله عن الحافظ ابن حجر رحمه الله.وكذلك يطلقون على تفرد الرواة الذين لا يصلون إلى درجة الاحتجاج إذا تفردوا لفظ منكر الحديث، لكنهم مع ذلك يريدون به الإعلال وهذا هو الذي فهمه الحافظ ابن حجر - رحمه الله – حيث أن الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله - قال في خالد بن مخلد له مناكير. فاعتبر الحافظ هذا القول من الإمام أحمد غمزا في خالد بن مخلد فقال في (هدي الساري صـ400ـ): وأما المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه وأوردها في كامله وليس فيها شيء مما أخرجه البخاري.ا. هـ. وبنحوه في معرفة الخصال المكفرة صـ37ـ38) والله أعلم.
الثاني: يطلقون على تفرد الصدوق في بعض الأوقات منكرًا إذا تفرد عن إمام مشهور وإلى ذلك أشار الإمام الذهبي – رحمه الله – في (الموقظة مع الكفاية ص167ـ 168) بقوله "وقد يُعَدُّ مفرد الصدوق منكرا ". اهـ.
¥