تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن لم يجب الحافظ رحمه الله عن المداومة على تلك الركعات، إذ يُفترض أن يشتهر ذلك للمداومة عليه، فلما لم يحصل ذلك يصبح ما قاله الجوزجاني لا يخلو من وجاهة لاسيما وأن عاصماً متكلم في حفظه.

وقد نبَّه ابن القيم [48] في عدة مواضع أن الذين يعللون بالتفرد يبنون قولهم على أن المتن إذا كانت حاجة الأمة شديدة إليه وفي أمر تعم به البلوى، فينبغي أن يشتهر من حديث الثقات عن ذاك الراوي المتفرد به عنه.

وقد سبق معنا قول المعلمي: (وهذا الحديث في حكمٍ مختلف فيه تعم به البلوى ... ) [49].

وليس في كلامهما موافقة لأهل الرأي في اشتراط الشهرة وتعدد رواة الحديث من الصحابة إذا كان الحديث فيما تعم به البلوى، لأنهما لم يشترطا التعدد أصلاً، وإنما أرادا القول بأن المتن لو كان ثابتاً لكان يجدر بأحد الثقات المتقنين أن يرويه لأهميته، ومصدر أهميته أنه فيما تعم به البلوى، فالفرق بين الأمرين لا يخفى.

3 - تفرد متأخر الطبقة ولو كان ثقة لا يقبل كما ذكر الذهبي فيما مضى، وكلما تأخرت طبقة المتفرد كلما قوي احتمال رده، خاصة بعد تدوين السنة، وبعد انتشار الاهتمام بجمعها، ولا شك أن التفرد في عصر الرواية الشفهية قبل انتشار التدوين واشتهاره وقَبول المحدثين به بعد زمن من ممانعة الكثيرين منهم، أقوى احتمالاً، ولذا كان الأمر كما قال الذهبي أن تفرد التابعي مقبول ولا يُشدد فيه، ويتدرج التشدد في التفردات كلما بعد الزمن عن عصر النبوة وتأخرت الطبقة.

وعلى هذا فقد يكون لقبول التفرد علاقة طردية مع التدوين، ففي عصر عدم انتشار التدوين يكون التفرد محتملاً نوعاً ما، وفي عصر انتشار التدوين وحصر الأحاديث وجمعها يكون التفرد غير محتمل، ويقوى الحكم بعدم قبوله.

وهناك أمور أخرى غير ما سبق يُعرف بها التفرد غير المحتمل، ولعل هذا المقام مناسب أن اقترح على من يرغب في الاستزادة أن يدرس ولا أقول يقرأ (العلل) للرازي، و (العلل الكبير) للترمذي، و (شرح علل الترمذي) لابن رجب؛ لما فيها من غرر الفوائد ودرر النفائس المتعلقة بعلم العلل، والمداومة على قراءة تلك الكتب وأمثالها تنمي لدى الباحث ملكة النقد الحديثي كما يجب أن يكون، وتسهم في بناء عقلية نقدية لها عاداتها الفكرية وسلوكياتها الذهنية المبنية على منهج أئمة المحدثين رحمهم الله تعالى.

تفرد الصدوق بزيادة.

فيما مضى تكلمنا عن تفرد الصدوق بحديث، وهنا سنتكلم بإيجاز عن حكم زيادة الصدوق هل تعامل كزيادة الثقة أم لا؟

وهذا المبحث ما كنا سنتطرق إليه لولا عبارة للحافظ ابن حجر موهمة إذ قال: (وزيادة راويهما - أي الصحيح والحسن - مقبولة ما لم تقع منافية لرواية من هو أوثق ممن لم يذكر تلك الزيادة) [50].

والمعروف من كلام عدد من كبار الأئمة أن الزيادة إنما تقبل من الثقات الحفاظ، كما قال الإمام مسلم: (والزيادة في الأخبار لا تلزم إلا عن الحفاظ الذين لم يعثر عليهم الوهم في حفظهم) [51].

وقال الترمذي: (فإذا زاد حافظ ممن يعتمد على حفظه قُبل ذلك عنه) [52]. وقال ابن رجب: (يعني وإن كان الذي زاد ثقة لا يعتمد على حفظه لا تقبل زيادته) [53].

قال ابن رجب متصلاً بكلامه السابق: (وهذا أيضاً ظاهر كلام الإمام أحمد) [54].

وقال: (فالذي يدل عليه كلام الإمام أحمد في هذا الباب أن زيادة الثقة للفظة في حديث من بين الثقات إن لم يكن مبرزاً في الحفظ والتثبت على غيره ممن لم يذكر الزيادة ولم يتابع عليها، فلا يقبل تفرده) [55].

ورجح أن منهج البخاري والدارقطني في قبول الزيادة أن تكون من ثقة مبرز في الحفظ [56].

فعلى هذا فلا تقبل زيادة الصدوق لانحطاط مرتبته عن وصف الثقة المبرز في الحفظ، ويتعين ذلك إذا كان المشارك له في الرواية ثقة ومع ذلك لم يذكر تلك الزيادة، فيكون بذلك خالف من هو أوثق منه ويصح احتمال وهمه قوياً جداً.

ولا تقبل الزيادة إلا من الحافظ المتقن كما تقدم وفي المسألة تفصيل يطلب من مظانه [57].


[1] فتح الباري (13/ 246).
[2] انظر (النص السادس).
[3] إغاثة اللهفان (1/ 296).
[4] الميزان (3/ 140).
[5] المرجع السابق (2/ 306).
[6] سؤالات ابن أبي شيبة (ص83 - 84).
[7] مسائل ابن هانىء (2/ 194).
[8] الجامع لأخلاق الراوي (2/ 209).
[9] تاريخ بغداد (9/ 297).
[10] الجامع لأخلاق الراوي (2/ 96).
[11] تاريخ بغداد (1/ 230).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير