(47) جاء في رواية البخاري:" وسأخبرك عن أشراطها "، وله ولمسلم:" ولكن سأحدثك "، ولابن حبان (60):" ولكن إن شئت نبأتك عن أشراطها ".
ويستفاد من اختلاف الروايات أن التحديث والإخبار والإنباء بمعنى واحد وإنما غاير بينها أهل الحديث اصطلاحا [قاله الحافظ في الفتح 1/ 148].
وقال البخاري في العلم: بَاب قَوْلِ الْمُحَدِّثِ: " حَدَّثنا" وَ" أَخْبَرَنَا" وَ" أَنْبَأَنَا"، قال:
وَقَالَ لَنَا الْحُمَيْدِيُّ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُيينة حَدَّثنا وَأَخْبَرَنَا وَأَنْبَأَنَا وَسَمِعْتُ؛ وَاحِدًا ... ".
(48) وفيه بيان واضح ـ كما قال ابن حزم في الإحكام (61) ـ: أن كل خطاب منه صلى الله عليه وسلم لواحد فيما يفتيه به ويعلمه إياه؛ هو خطاب لجميع أمته إلى يوم القيامة، وتعليم منه عليه السلام لكل من يأتي إلى انقضاء الدنيا؛ لأن ذلك الحديث إنما خرج بلفظ تعليم الواحد في قوله صلى الله عليه وسلم " أن تعبد الله كأنك تراه " ويكفينا من هذا الحديث قوله عليه السلام أثر جوابه لجبريل عليه السلام إن هذا الذي ذكر تعليم لهم فأشار إلى الخطاب المتقدم للواحد.
قال توفيق: إلى هنا ينتهي إيراد ما أفدته من كتب السنة وشروحها، وخاصة فتح الباري في صحيح البخاري ـ للحافظ ابن حجر في شرحه للحديث رقم (50)، وشرح الإمام النووي على صحيح مسلم عند شرحه للحديث رقم (8) مع تصرف مني في بعضها لمزيد البيان، بالإضافة إلى بعض الفوائد الزوائد.
وأضفت إلى ما تقدم من الفوائد ـ ولله الحمد والمنّة ـ ما يزيد على عشرين أخرى، فقلت:
(49) فيه أن ليس للإمام أو نوابه، ولا للعالم أن يحتجبوا دون حاجات الناس ومصالحهم؛ لقوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس).
قال الحافظ ابن حجر: أي ظاهرا لهم غير محتجب عنهم ولا ملتبس بغيره , والبروز الظهور.
(50) وفيه بيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
فقد وقع في بعض روايات هذا الحديث في أوله:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو , فطلبنا إليه أن نجعل له مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه , قال: فبنينا له دكانا من طين كان يجلس عليه " (18ب).
(51) قد يفهم من السياق أنه وضع كفيه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أورد الحافظ في الفتح من حديث ابن عباس، وحديث أبي عامر الأشعري رواية مصرحة بذلك. قلت: وفي هذا من الفوائد: أن على طالب العلم أن يبالغ في الإصغاء إلى معلمه، ولا ينصرف عنه بالشواغل؛ فإن وضع السائل ـ وهو جبريل عليه السلام ـ يديه على فخذ النبي صلى الله عليه وسلم صنيع منبه للإصغاء إليه.
(52) إن للدين ظاهر وباطن؛ فظاهره الإسلام، وهو الخضوع والانقياد وامتثال أوامر الله قولا وعملا، وباطنه الإيمان، وهو التصديق الجازم بالله وملائكته ورسله وسائر الأركان وأمور الإيمان، والإحسان هو ثمرة التحقق بهما معا، وهو حضور القلب في حضرة القرب، وهو الهداية إلى الصراط المستقيم التي تورثها منازل {إياك نعبد وإياك نستعين}.
(53) وفيه: أن الذي يعلم من الخبر بداهة ـ أو يدل عليه سياق الكلام ـ لا إلزام في ذكره ويجوز حذفه للاختصار، فبعض الرواة ذكر أنه سلم لما دخل، وبعضهم لم يذكر السلام في روايته.
(54) كلام العاقل يحمل على الحقيقة، لذا وقع الاستغراب من الصحابة من قول السائل " صدقت " وهو جواب العارف، ولم يعتبروه لغوا مع كونه ـ في الظاهر ـ يسأل ليعرف.
(55) وقع في رواية سليمان التيمي عند ابن حبان " وأن تعتمر وتغتسل من الجنابة " وفيه مستمسك لمن قال بوجوب العمرة مع الحج، قاله الحافظ ابن حجر.
قال أبو حاتم ابن حبان (62): تفرد سليمان التيمي بقوله خذوا عنه وبقوله تعتمر وتغتسل وتتم الوضوء.
قلت: تابعه الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري عن يحيى بن يعمر ـ عند المروزي في تعظيم قدر الصلاة (63) ـ في بعضها، وهي قوله " وتغتسل من الجنابة ".
¥