(56) قد يقع الجواب مجملا ويكون كافيا في البيان لمن سبق لهم معرفة التفصيل، وقد أجاب نبينا صلى الله عليه وسلم عن الإسلام؟ فقال:" الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، وقال عن الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته وكتبه ورسله ... " وهذا وقع منه مجملا، وقد سماه (تعليما) في آخر الحديث.
(57) في قول السائل " أخبرني عن الإسلام، وقوله " أخبرني عن الإيمان " ... دليل على أن للسائل أن يزيد على سؤال واحد حتى يتحصل له الفهم، أو يستزيد من العلم.
(58) وفيه أن للسائل أن يأتي بأسئلته مجتمعة، ثمَّ بعد تمام الخطاب يستمع إلى الجواب، وله أن يفرق سؤالاته واستفهاماته حسب ما تقتضيه الحال، أو وفق ما تمليه المناسبة.
(59) في قوله " فإنه جبريل أتاكم " فإن مجيء جبريل عليه السلام ـ على هيئة رجل ـ سائلا، دليل على أهمية هذه الأمور ـ المسئول عنها ـ وعظيم خطرها، ووصفه صلى الله عليه وسلم لها بأنها دين في قوله " يعلمكم دينكم " يؤكد ذلك.
(60) وفي قوله " فإنه جبريل " بيان لجواز كشف بعض الحقائق إذا كان يترتب على كشفها مصلحة مشروعة، ولعل من المصلحة هنا: بيان الأهمية.
(61) جواز رواية الحديث بالمعنى، ففي بعض الروايات " يا محمد، وفي غيرها " يا رسول الله " وفي أخرى " يا نبي الله ".
وقوله "وسأخبرك عن أشراطها" جاء بلفظ:" ولكن سأحدثك " وفي رواية " ولكن لها علامات تعرف بها "، وفي رواية:" قال فأخبرني عن إمارتها فأخبره ".
(62) وفيه جواز الاقتصار على بعض الحديث , وجواز الإتيان به تارة مطولا وتارة ملخصا. فمن الرواة من رواه بطوله، ومنهم من اقتصر على بعضه، ومنهم من زاد فيه ونقص.
(63) في قوله " وأن تغتسل من الجنابة وتتم الوضوء " دليل على فرضية الطهارة.
(64) قول أبي عبد الله البخاري " جعل ذلك كله من الإيمان " يُشعر بأن هذا الحديث جاء بيانا لقوله تعالى {ورضيت لكم الإسلام دينا} وفي سياق الحديث ما يشهد لهذا ففي أوله السؤال عن الإسلام، وفي ختامه " أتاكم يعلمكم دينكم ".
والمعنى: أن الإسلام الذي يرضاه الله تعالى؛ هو الإسلام الكامل الذي يشمل الأمور المذكورة في هذا الحديث.
(65) قوله " إذ لم تسألوا " يُشعر بأن هذه القصة، والسؤال عن هذه الأمور وقع متأخرا؛ إذ لو كان في أول العهد لما احتاج إلى استدراك جبريل عليه السلام؛ فإن الباب ـ وقتئذٍ ـ لا زال مفتوحا، ولما كان هناك فائدة في قوله " إذ لم تسألوا " وهذا ممتنع في حقه صلى الله عليه وسلم؛ فدل على وقوعه في آخر الأمر. قال توفيق: قلت هذا استخلاصا من الحديث، ولقد وقفت بعد ذلك على كلام للحافظ ابن حجر في الفتح ملأ نفسي حبورا وسرورا، وإليك عبارته:
قال الحافظ:" ... روى ابن مندة في كتاب الإيمان (64) بإسناده الذي على شرط مسلم من طريق سليمان التيمي في حديث عمر أوله " أن رجلا في آخر عمر النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكر الحديث بطوله , وآخر عمره يحتمل أن يكون بعد حجة الوداع فإنها آخر سفراته , ثم بعد قدومه بقليل دون ثلاثة أشهر مات , وكأنه إنما جاء بعد إنزال جميع الأحكام لتقرير أمور الدين - التي بلغها متفرقة - في مجلس واحد , لتنضبط ". فلله الحمد على ما ألهم وعلم وتلطف وتمنن.
(66) " ما المسؤول عنها بأعلم من السائل " إشارة منه صلى الله عليه وسلم أنه عرف حقيقة السائل؛ فذكّره بما جرى بينه وبين عيسى بن مريم عليه السلام، فقد روى ابن المبارك في الزهد (65) قال: أخبرنامالكبنمغول، قال:سمعتإسماعيلبنرجاءيحدثعنالشعبيقال:لقيجبرائيلعيسىبنمريمفقالالسلامعليكياروحاللهقالوعل يكالسلامياروحالله، قال: ياجبرائيلمتىالساعة؟ قال: فانتفضجبرائيلفيأجنحتهثمقال: ماالمسئولعنها بأعلم من السائل، ثقلتفيالسماواتوالأرض،لاتأتيكمإلابغتة، أوقال: لايجليهالوقتهاإلاهو.
وقوله في بعض الروايات " ما جاءني في صورة قط إلا عرفته إلا في هذه الصورة فمحمول على أول الأمر، حين دخل، وحين باشر السؤال، ومن ثم عرفه بفراسة النبوة الثاقبة.
¥