قال زيد: كنا نقرأ: " و الشيخ و الشيخة .. "، فقال مروان: أفلا نجعله في
المصحف؟ قال: لا، ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان؟ قال: و قال: ذكروا
ذلك و فينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: أنا أشفيكم من ذاك. قال: قلنا
: كيف؟ قال: آتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذكر كذا و كذا، فإذا ذكر الرجم
أقول: يا رسول الله! أكتبني آية الرجم. قال: فأتيته فذكرته، قال: فذكر
آية الرجم. قال: فقال: يا رسول الله! أكتبني آية الرجم. قال: " لا أستطيع
ذاك ". قلت: و رجاله ثقات غير شيخ محمد، فإنه لم يسم، و قد أشار إلى صحته
البيهقي بقوله عقبه: " في هذا و ما قبله دلالة على أن آية الرجم حكمها ثابت،
و تلاوتها منسوخة، و هذا مما لا أعلم فيه خلافا ". و أورده السيوطي في " الدر
المنثور " من رواية النسائي و أبي يعلى نحوه ببعض اختصار بلفظ: " لا أستطيع
الآن ". 3 - و أما حديث أبي، فيرويه عاصم بن بهدلة عن زر قال: قال لي أبي بن
كعب: كائن تقرأ سورة (الأحزاب)، أو كائن تعدها؟ قال: قلت: ثلاثا و سبعين
آية. قال: قط، لقد رأيتها و إنها لتعادل سورة (البقرة)، و لقد قرأنا فيها
: " الشيخ و الشيخة .. "، و زاد: " نكالا من الله، و الله عليم حكيم ".
أخرجه النسائي (7141) و ابن حبان (6/ 301 / 4411 و 4412) و الحاكم (2 /
415 و 4/ 359) و البيهقي أيضا، و عبد الرزاق في " المصنف " (3/ 365 / 5990
) و الطيالسي (540) و عبد الله بن أحمد (5/ 132) و الضياء في " المختارة "
(3/ 370 - 371) و قال الحاكم: " صحيح الإسناد ". و وافقه الذهبي، و هو
كما قالا، على ما سبق بيانه تحت الحديث الأول رقم (2908). و زاد الطيالسي
في آخر الحديث: " فرفع فيما رفع ". و في سندها ابن فضالة، و اسمه مبارك، و
هو مدلس، و قد عنعن. و قد توبع عاصم على أصل الحديث من يزيد بن أبي زياد عن
زر بن حبيش به. أخرجه عبد الله بن أحمد أيضا. و يزيد هو الهاشمي مولاهم، و
لا بأس به في المتابعات. 4 - و أما حديث العجماء، فيرويه الليث بن سعد عن
سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل أن خالته (و قال
الطبراني: العجماء) أخبرته قالت: لقد أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
آية الرجم: " الشيخ و الشيخة فارجموهما البتة، بما قضيا من اللذة ". أخرجه
النسائي (7146) و الحاكم (4/ 359) و الطبراني في " المعجم الكبير " (24 /
350/ 867) و قال الحاكم: " صحيح الإسناد ". و وافقه الذهبي. و أقول:
رجاله ثقات رجال الشيخين غير مروان بن عثمان، و هو ابن أبي سعيد بن المعلى
الأنصاري الزرقي، غمزه النسائي، و قال أبو حاتم: ضعيف. و أما ابن حبان
فذكره في " الثقات " (7/ 482)! و قال الذهبي في " الكاشف ": " مختلف في
توثيقه "! قلت: فلم يصنع شيئا. و قد أورده في " المغني "، و ذكر تضعيف أبي
حاتم إياه، و غمز النسائي له، و لم يتعرض لذكر توثيق ابن حبان، و هو الصواب
هنا، و لذلك جزم الحافظ في " التقريب " بأنه " ضعيف ". و قال في " الإصابة "
: " متروك ". انظر " الضعيفة " (6371). إذا علمت ما تقدم، فاتفاق هؤلاء
الصحابة رضي الله عنهم على رواية هذه الأحاديث الصريحة في رفع تلاوة بعض الآيات
القرآنية، هو من أكبر الأدلة على عدالتهم و أدائهم للأمانة العلمية، و تجردهم
عن الهوى، خلافا لأهل الأهواء الذين لا يستسلمون للنصوص الشرعية، و يسلطون
عليها تأويلاتهم العقلية، كما تقدم عن بعض المعلقين! و لا ينافي تلك الأحاديث
قول ابن عباس لما سئل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيء؟ فقال: " ما
ترك إلا ما بين الدفتين ". رواه البخاري (5019). فإنه إنما أراد من القرآن
الذي يتلى، كما في " الفتح "، و من الدليل على ذلك أن ابن عباس من جملة من
روى شيئا من ذلك كما يدل عليه قوله في الحديث المتقدم (2909): " صدق الله و
رسوله: لو كان .. ". ثم قال الحافظ (9/ 65) في آخر شرحه لحديث ابن عباس:
" و يؤيد ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر أشياء نزلت من القرآن فنسخت
تلاوتها، و بقي أمر حكمها أو لم يبق مثل حديث عمر: " الشيخ و الشيخة إذا زنيا
فارجموهما البتة ". و حديث أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة، قال
: فأنزل الله فيهم قرآنا: " بلغوا عنا قومنا أنا لقد لقينا ربنا "، و حديث
أبي بن كعب: " كانت الأحزاب قدر البقرة ". و حديث حذيفة: " ما يقرؤون ربعها
. يعني براءة ". و كلها أحاديث صحيحة. و قد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر
أنه " كان يكره أن يقول الرجل: قرأت القرآن كله، و يقول: إن منه قرآنا قد
رفع، و ليس في شيء من ذلك ما يعارض حديث الباب لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته
في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ".
¥