أولاً: أبو داود _ رحمه الله _ لم يرو عنه غير هذا الحديث وأردفه برواية أبي أويس عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما وقد وصل هذه الرواية البيهقي في سننه الكبرى وغيره، وهذا يعني أنه لم يعتمد على حديث كثير بن عبد الله وحده.
ثانياً: كثير بن عبد الله لم يتفق على تركه بل قد قوى بعضهم حديثه وقدمه على مرسل سعيد بن المسيب _ كما ذكر ابن رجب في شرح علل الترمذي _ والترمذي روى عنه في سننه وتارة يصحح حديثه وتارة يحسنه ولعله يصحح حديثه ويحسنه لطرقه وشواهده وهذا يبين انه ليس شديد الضعف عنده؛ لأن من كان شديد الضعف لا يتقوى حديثه بالطرق والشواهد، ونقل الترمذي في العلل الكبير عن البخاري في حديث التكبير في صلاة العيدين قال البخاري: ليس في الباب شيء أصح من هذا وبه أقول، مع أنه حكم على حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في الباب بالصحة.
وقال الترمذي: قلت لمحمد في حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة كيف هو؟
قال: هو حديث حسن إلا أن أحمد كان يحمل على كثير يضعفه وقد روى يحيى بن سعيد الأنصاري عنه.
وابن خزيمة يصحح حديثه وروى عنه في الصحيح.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: (كثير بن عبد الله ضعيف عند الأكثر لكن البخاري ومن تبعه كالترمذي و ابن خزيمة يقوون أمره)
وما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية _ رحمه الله _ أن أحمد لم يخرج لكثير عن أبيه عن جده غير صحيح بل قد اخرج الحديث المذكور في المسند (1/ 306) في مسند عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم أردفه برواية أبي أويس عن ثور به كصنيع أبي داود.
ثالثاً: لا يبعد أن يكون رأي أبي داود اختلف في كثير بن عبد الله أو أنه انتقى هذا الحديث لعدم تفرده به فالحكم على الراوي مستقلاً شيء والحكم على الحديث شيء آخر فقد يقترن به قرائن عند المحدث فيحتج به ولم أجد قول أبي داود وما نقله عن الشافعي في سؤالات الآجري.
قال الحافظ في التقريب: (ضعيف أفرط من نسبه إلى الكذب)
وما نقل عن الشافعي رأيته في المحدث الفاصل (ص 596) قال: (حدثنا الساجي ثنا أبو داود ثنا محمد بن وزير المصري قال: سمعت الشافعي يقول: كثير بن عبد الله المزني ركن من أركان الكذب)
والله أعلم
ـ[محمد البيلى]ــــــــ[28 - 08 - 07, 11:01 م]ـ
عفوا يا شيخنا.
أولا:
إذا كان كثير عند أبى داود كذابا، فهل يعتمد على روايته ثم يردفها برواية أبى أويس؟
ثانيا:
تضعيف أبى داود له عهدة نقله على المزى، إذ هو من نقلت عنه.
ثالثا: قولكم "ثالثاً: لا يبعد أن يكون رأي أبي داود اختلف في كثير بن عبد الله"، فعلى هذا، هل لى أن أحتج بإخراج أبى داود للحديث على توثيق أبى داود له؟ أو على الأقل بأنه عنده ليس بكذاب لأنه نص على أنه لا يروى عن متروك؟
رابعا: قولكم "أو أنه انتقى هذا الحديث لعدم تفرده به فالحكم على الراوي مستقلاً شيء والحكم على الحديث شيء آخر فقد يقترن به قرائن عند المحدث فيحتج به "
هل يختلف حال حديث فيه راو كذاب و لو عضدته قرائن؟
خامسا: جزاكم الله خيرا لاستدراككم على شيخ الإسلام و أتمنى أن يكون صحيحا.
و أخيرا أحسن الله إليكم،و أتمنى النظر مرة أخرى فى هذه الإستشكالات، على أنى دوما مستفيد من فضيلتكم.
ـ[أبو حازم الكاتب]ــــــــ[29 - 08 - 07, 08:46 ص]ـ
أخي الكريم محمد بارك الله فيك
حتى تثبت لك هذه النتيجة لا بد من ثبوت مقدمتين:
الأولى: ثبوت تكذيب أبي داود لكثير بن عبد الله، فليتك تبحث عمن روى هذا عن أبي داود بإسناده، والغريب اني رأيت كثيراً ممن ينقل اقوال الأئمة في كثير ولا يذكر قول أبي داود كابن عدي وابن الجوزي والزيلعي والحافظ ابن حجر في غير التهذيب، ونقل هذا القول المزي في التهذيب وابن حجر في التهذيب والذهبي في ميزان الاعتدال، فالمقصود أنك بحاجة أخي الكريم أن تثبت هذه الرواية عن أبي داود أولا حتى تبني عليها ما تريد من نتيجة.
الثانية: بقاء أبي داود على هذا الرأي عند تأليفه للسنن.
وأما كونه يخرج له اعتماداً وهو يراه كذاباً فلا؛ لأن حديث الكذاب لا يعتمد عليه، والمنكر يبقى منكراً كما قال أحمد رحمه الله، لكن المقصود أنه يراه ضعيفاً لا يصل إلى مرتبة الترك وأردف روايته بالرواية الأخرى لا سيما وكلا الطريقين من رواية أبي أويس وكرر أبو داود إرداف الرواية بالرواية الأخرى في موضعين، وربما يكون مراده بيان الاختلاف في الحديث.
والمقصود أن كثير بن عبد الله قد قواه بعضهم فلم يروا أنه يصل مرتبة الترك كالبخاري والترمذي وابن خزيمة وابن أبي عاصم وهو ما اختاره الحافظ ابن حجر، وأظن أن هذا هو رأي ابي داود من ظاهر صنيعه هنا وهذا هو الظن بأبي داود فإنه لا يجوز للمحدث أن يروي حديثا يراه موضوعا دون أن يبين ذلك وهذا باتفاق أهل العلم كما ذكر النووي والسيوطي وغيرهما.
وقد ذكر بعض أهل العلم جواز رواية الموضوع في حالات:
الأولى: ان يقصد بكتابة الحديث حفظه ومعرفته وبيان أمره وحتى لا تقلب على الأئمة وقد صنع ذلك الأئمة أحمد وابن المديني وابن معين وغيرهم وهذه الحالة اتفق على جوازها.
الثانية: إذا كان المحدث عارفاً بحديث المتهم ويميز صدقه من كذبه كما فعل الثوري في حديث الكلبي.
الثالثة: أن يضطر المحدث إلى رواية الحديث عن المتهم بحيث ينفرد برواية أحاديث معينة لكن لا يعني هذا الاعتماد عليها فالكتابة امر غير الاحتجاج ومن ذلك:
قول حماد بن سلمة لولا الاضطرار ما حدثت عن محمد بن إسحاق.
وشعبة اتهم جابر الجعفي وأبان بن أبي عياش وروى عنهما وقال رووا أشياء لم نصبر عنها.
والأظهر أن الحالة الثانية والثالثة لا تجوز الرواية فيهما عند الجمهور، ورأي من خالف هنا اجتهاد منهم، وإلا فالمعروف عند أكثر الأئمة تحريم الرواية عن المتهم.
والله أعلم.
¥