4. وبحديث ابن عُمَرَ رَضِي اللَّه عَنْهمَا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (إِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَصُومُوا وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ).
وقد اختلف العلماء في معنى التقدير الوارد في الحديث على ثلاثة آراء:
أولها: قدروه تحت السحاب، أي اجعلوه تسعة وعشرين، وعلى هذا الرأي أحمد وغيره.
وهذا الرأي غير صحيح لأنه على عكس معنى حديث فأتموا، فهو رأي يتعارض مع النصوص الأخرى.
ثانيها: قدروه بحساب المنازل، أي اعتمدوا فيه الحساب، وعليه ابن سُريج وغيره.
ثالثها: قدروا له تمام العدة ثلاثين، وعليه الجمهور.
والذي أرى أنه الراجح هو الرأي الثاني لما يلي:
أولا: أن معنى هذا الحديث كمعنى الحديث الوارد في مدة مكث الدجال وأنه يمكث أربعين يوما منها يوم كسنة (قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا اقدروا له قدره)، فلا شك أن المعنى هنا هو الحساب لكل صلاة بحيث يصلون في ذلك اليوم صلاة سنة.
ثانيا: تبين لي بعد جمع الروايات ورسم شجرة الأسانيد ومقارنتها ما يلي: اتفق كل الرواة من طريق سالم عن ابن عمر، ومن طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر على رواية (فاقدروا له) كما هو في البخاري ومسلم والموطأ والنسائي وابن ماجة وأحمد، وبعض أسانيدهم مما قيل فيها: أصح الأسانيد.
وأما رواية (اقدروا له ثلاثين) فقد اختلف فيها الرواة عن نافع عن ابن عمر، فروى أكثرهم (فاقدروا له) من غير لفظة ثلاثين، كما في البخاري ومسلم والموطأ والدارمي وأحمد، وعدد هذه الروايات إحدى عشرة رواية، ولم ترد رواية (فاقدروا له ثلاثين) إلا في ثلاث روايات من طريق نافع كما في مسلم وأبي داود.
ولذلك فإن رواية (فاقدروا له) هي الرواية الأصح من حيث عددُ الرواة، ومن حيث قوةُ ضبطهم.
5. أن الحساب كان ظنيا، بل كان دون ذلك، ولكنه الآن أصبح قطعيا لأن حركة الأجرام السماوية من شمس وقمر وغيرهما حركة منتظمة لها قانون ثابت، يقول الله تعالى {الشمس والقمر بحسبان} أي بحساب ثابت دقيق جدا، كما تدل عليه صيغة المبالغة.
ويقول سبحانه {والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم، لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون}.
ولقد بدأت محاولات الإنسان لمعرفة قوانين حركة المجموعة الشمسية منذ زمن سحيق، وبدأ العلماء يحققون شيئا من التقدم منذ آلاف السنين، ولكن حساباتهم كانت ظنية، واستمر العلماء في تعديل حساباتهم حتى أصبحت في عصرنا غاية في الدقة، وحتى أصبحوا يحسبون الشهر القمري بأجزاء الثانية، وأصبح من المعلوم لديهم جميعا دون اختلاف أن متوسط الشهر القمري هو: 29 يوما و12 ساعة و44 دقيقة وثانيتان و87% من الثانية، أفيمكن بعد ذلك أن يقال إن الحسابات الفلكية ظنية!.
ولذلك تعرف ولادة القمر (أي لحظة الاقتران) باليوم والساعة والدقيقة والثانية لمئات السنين القادمة، وهي الآن موجودة ومعلنة ومطبوعة لعشرات السنين القادمة، كما أنها موجودة في برامج الحاسوب، وعلى شبكة الإنترنت، وليس ذلك من العلم بالغيب في شيء، وإنما يدل ذلك على أن لهذا الكون سننا وقوانين ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.
وأما ما يقال من اختلاف التقاويم فيما بينها فليس سببه اختلاف المتخصصين، فهذه التقاويم لا تصدر عن المتخصصين ولا عن المراكز العلمية، وإنما تصدر عن بعض المقومين الذين تعلموا ذلك من كتب وجداول قديمة مضت عليها مئات السنين، وفيها أخطاء، ولم يدرس هؤلاء المقومون علم الفلك الحديث، ومع ذلك فإن بعض وسائل الإعلام تخلط - كما هو شأنها - وتصفهم أنهم علماء في الفلك، وهذا كمن يخلط بين الطب الشعبي والطب الحديث وبخاصة في مجال التشخيص بعد كل التقدم الموجود في علم المختبرات وما شاكلها من وسائل.
¥