وقد حدث هذا من بعض الطلبة المسلمين الذين يدرسون في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1993 حيث قرروا - وكانوا أربعة - مراقبة الهلال بأنفسهم، فاستأجروا طائرة صغيرة وارتفعوا بها فوق السحاب وبعد قليل رأوا شيئا ظنوه الهلال، ونزلوا واتصلوا باللجنة يشهدون أنهم رأوا الهلال، وبعد سؤالهم واحدا بعد الآخر عن بعض التفصيلات قال ثلاثة منهم إنهم غير متأكدين من ذلك، وإن الرابع هو الذي رآه جيدا، وعند سؤاله عن شكل الهلال الذي رآه وعن اتجاهه وعن موقعه من الشمس قال: إن شكل الهلال الذي رآه خط مستقيم!!!.
3. استعمال المقراب (التلسكوب) الذي يقرب الأجرام الموجودة في السماء فتبدو أكبر، وربما رأى بعضهم هلال بعض الكواكب فيظنه هلال القمر، كما حدث ذلك مع تسعة من الطلبة المسلمين في أمريكا أيضا - كما حدثني أحدهم - حيث رأوا هلالا، ولما شهدوا بذلك أمام اللجنة التي كانت تضم بعض الفلكيين وسئلوا عن موقع الهلال الذي شاهدوه، وعن شكله واتجاهه ومكانه تبين أن الذي شاهدوه هو هلال الزهرة، وكذلك ما حدث في آخر يوم من شعبان سنة 1427هـ حيث شاهد بعضهم هلال عطارد، ولذلك يفضل أن لا تزيد قوة تكبير المقراب عن عشرة أو خمس عشرة مرة.
4. عدم الخبرة في مراقبة الهلال عند الناس إلا ما ندر، وإن كان بعض الناس يظن أن الأمر سهل ولا يحتاج إلى خبرة، وتنتشر بين هؤلاء الناس كثير من الأخطاء الشائعة التي يظنون أنها لا يرقى إليها شك، فلقد وصل الأمر ببعض من شهد برؤية الهلال أن يقول عندما سئل عن الموعد الذي رأى فيه الهلال إنه رآه بعد الفجر، وأجاب آخر بأنه رآه قبل غروب الشمس، ورأيت من يراقب الهلال يوما وهو يعتقد أن الهلال يكون غائبا في الأفق ثم يرتفع بعد غروب الشمس ثم يغيب ثانية، ولما حاولت إفهامه خطأه أصر وقال إنه متأكد من ذلك!!!.
ويظن البعض أنه يعرف عمر الهلال بدقة بمجرد النظر إليه في أي يوم من أيام الشهر، دون معرفة موعد ولادته، وهذا لا يمكن لاحتمال وقوع الهلال في أعلى المنزلة أو أدناها، أو ما بين ذلك، وإنما يعرف من موعد الاقتران، وهذا كمن يحاول معرفة عمر الطفل الصغير الذي عمره أيام من النظر إليه، دون النظر إلى تاريخ ولادته.
ولقد ثبت أن الخطأ في هذه الشهادات غير قليل، وقد بينت دراسة مقدمة إلى مؤتمر الفلك الإسلامي الثاني في الأردن عام 2001م من الفريق الأردني وكذلك السوري لهلالي رمضان وشوال خلال خمسين سنة، أن الخطأ كان أكثر من 90 %، نعم أكثر من تسعين بالمائة.
ومما يدل على الخطأ أو الكذب في الشهادة ما يلي:
1. حدوث الكسوف في اليوم الأول من الشهر حسب الشهادة، فهذا يعد دليلا قاطعا على أن الشهادة غير صحيحة، كما حدث ذلك في السعودية سنة 1403هـ، وتبعتها في ذلك أكثر الدول الإسلامية، فقد شهد بعضهم برؤية الهلال مساء الجمعة أي ليلة السبت، وحدث كسوف للشمس يوم السبت - كما كان ذلك متوقعا سلفا من الفلكيين - ورئي هذا الكسوف في عدة دول، فدل هذا بلا أدنى شك على أن السبت ليس بداية رمضان، وأن الشهادة لم تكن صحيحة.
والأعجب من ذلك أن هناك - في السنة نفسها - من شهد بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من رمضان ابتداء من السبت الذي زعم البعض أنه رأى هلال رمضان ليلته، أي يوم الثامن والعشرين من رمضان في الحقيقة، هناك من شهد أنه رأى هلال شوال وقبلت شهادته، وتم إعلان عيد الفطر، ثم صدرت الفتوى - بعد ذلك - بقضاء يوم، لأن رمضان لا يمكن أن يكون ثمانية وعشرين يوما.
2. أن لا يرى في اليوم الثاني من الشهادة رغم عدم وجود غيوم تمنع رؤيته، فإن رؤية الهلال بعد غروب شمس اليوم الأول، أي في ليلته الثانية تكون في غاية السهولة، ولا تحتاج رؤيته إلى بحث في الأفق أو تركيز نظر، ولذلك يتأخر الإعلان عن ثبوت هلال شهر ذي الحجة يوما كاملا على الأقل للتأكد من رؤيته بعد غروب اليوم الأول منه، وهذا أمر جيد، وإنما تم اللجوء إليه لحدوث بعض الأخطاء في الشهادة برؤية هلال ذي الحجة في بعض السنوات، ولأن في الأمر متسعا من الوقت، بخلاف شهري رمضان وشوال حيث لا مجال لتأخير الإعلان عن بداية الشهر إلى اليوم التالي.
¥