2. يُمَكِّننا من عمل تقويم هجري دقيق للمستقبل، ولا يمكن للعالم اليوم أن يعيش وينظم أمور حياته من غير تقويم دقيق للمستقبل يحدد بداية كل شهر وكل سنة ونهايتهما، وذلك لتنتظم مواعيد الناس في كل شؤونهم، كالتقاويم اللازمة للحكومات والمؤسسات، وتنتظم مواعيد الطائرات والقطارات وغير ذلك.
إن من أسباب انتشار التقويم الميلادي في العالم الإسلامي على حساب التقويم الهجري أن التقويم الميلادي منضبط، بينما لا يمكن عمل تقويم هجري للمستقبل ونحن ننتظر بداية كل شهر لنحاول رؤية الهلال.
3. الحساب هو الذي يُمَكِّن القاضي من مناقشة الشهود الذين يشهدون برؤية الهلال، ويستطيع الحكم على الشهادة، فإن كانت ممكنة قبلها، وإن كانت مستحيلة ردها.
4. ينهي الأخطاء، ويقطع الطريق على الكاذبين مهما كانت دوافعهم.
5. يحل مشكلة اختلاف المطالع، فإن هذه المشكلة لم تحل قديما.
6. يساهم في إزالة الفجوة المصطنعة بين الإسلام والعلوم الطبيعية.
اختلاف المطالع
لا شك أن مطالع القمر تختلف من منطقة إلى أخرى كما تختلف مطالع الشمس، وذلك نظرا لكروية الأرض، فقد يُرى الهلال في مكان ولا يرى في آخر، وهذه حقيقة علمية لا تقبل المناقشة.
ولكن هل لهذا الاختلاف أثر في الحكم الشرعي؟ أي هل المطلوب شرعا أن يصوم أهل كل منطقة بحسب منطقتهم، أم يصوم الناس في كل العالم في يوم واحد؟.
في هذا الموضوع رأيان مشهوران ولن أناقشهما من الزاوية الفقهية، بل سأعرض لهما من الزاويتين الحديثية والفلكية.
فمن الناحية الحديثية لم يرد في هذا الموضوع إلا حديث واحد هو حديث كُرَيْبٍ (أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ، وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ: مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ؟ فَقُلْتُ: رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ: فَقَالَ: أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ: لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ: أَوَلا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ فَقَالَ: لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
فقول ابن عباس: هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذا الحديث له حكم المرفوع، كما هو مقرر عند العلماء، ومع أن الموضوع ليس فيه إلا حديث واحد فقد انقسم العلماء إلى رأيين:
الرأي الأول: أن يصوم كل أهل منطقة برؤيتهم، أخذا بحديث كريب السابق، وهو يشبه ما يطبق في الصلاة، حيث يصلي أهل كل منطقة حسب توقيتهم الخاص.
ولكن أصحاب هذا الرأي لم يتفقوا على حدود المنطقة التي يلزم الناس فيها الأخذ بالرؤية، وذلك لعدم ورود نص شرعي صحيح صريح في المسألة، ولأن المعلومات الفلكية والجغرافية لم تكن متقدمة في القرون الهجرية الأولى.
فقال بعضهم: هي مسافة القصر من كل الجهات، وهم مختلفون في تحديد مسافة القصر.
وقال آخرون: هي البلاد الواقعة على سمتها أي موازاتها، وهو كلام يحتمل موازاتها في خطوط الطول، أو موازاتها في خطوط العرض.
وفي ضوء عدم وجود نص شرعي فلا بد من الرجوع إلى المعلومات الفلكية التي تؤكد بلا أدنى شك أن تحديد ذلك بمسافة القصر لا أساس له من الصحة علميا، كما تؤكد أن لا علاقة بين اختلاف المطالع واختلاف دوائر العرض.
والصحيح علميا أن رؤية الهلال في منطقة تعد رؤية للبلاد الواقعة على خط الطول نفسه، وللبلاد التي تقع غرب ذلك الخط من باب أولى، عدا مناطق القطبين.
وهذا على عكس الحال بالنسبة للصلاة، حيث إن غروب الشمس في بلد يدل على غروبها في البلدان الواقعة على خط الطول نفسه، والبلدان الواقعة شرق ذلك الخط، وأما البلدان الواقعة غرب ذلك المكان فإن الشمس فيها لم تغب بعد.
الرأي الثاني: أن الشهر إذا ثبت في مكان ثبت في الأرض كلها، ولا عبرة باختلاف المطالع.
وهذا الرأي ليس له دليل شرعي خاص يدل عليه، واستدلوا بأدلة عامة لا تقف في وجه الدليل الخاص.
¥