ـ التّنبيه الثّاني: قال الحافظ ابن حجر في الفتح 1/ 511: وقال ابن عبد البرّ: ذهب الجمهور إلى أنّه [وضوء الجنب إذا أراد النّوم] للاستحباب، وذهب أهل الظّاهر [كذا] إلى إيجابه وهو شذوذ. اهـ. قلتُ: سكت الحافظ عن هذا الإطلاق عن الظاهرية من قِبَل ابن عبد البرّ ولِنَاسِبٍ أن ينسِبَ ما حكاه ابن عبد البر لابن حجر من جهة أنّ الحافظ أقرّه و أمرّه بلا تعقّب. فيقول مثلاً قال الحافظ: ذهب الجمهور إلى أنّه للاستحباب وذهب أهل الظّاهر إلى إيجابه وهو شذوذ. اهـ.
ـ لكن في هذا الإطلاق عن الظاّهرية نظر إذ أنّ ابن حزم الظّاهري [وهو شيخ الظاهرية كما وصفه ابن حجر نفسه في موضع من الفتح] لم يقل بالوجوب بل صرّح بالاستحباب ووافق الجمهور كما تراه في مُحلاّه مسألة رقم [118].
ـ ولقد تعقّبني بعض الأفاضل بما مُلخّصه: أنّ ابن حجر رحمه الله إذا أطلق لفظ الظاهرية لا يدخل في ذلك ابن حزم وأنّ الحافظ يُفرِدُهُ بالذّكر لكثرة مخالفته لهم و أنّه لا مانع من الإطلاق وإرادة البعض كقولنا مثلاً: قال به المالكية ونريد بعضهم لا كُلّهم. وللإجابة عمّا أورد عملتُ بحثاً صغيراً فخُذهُ بلفظه:
ـ الحمدلله: فهذه عملية استقراء جزئي لكلام الحافظ وبعض أهل العلم الهدف منها الإجابة عن إشكال مفاده: هل إذا أطلق الحافظ لفظ الظاهرية يريد الأغلب أم هذا الإطلاق على بابه؛ إذ أنّ لفظ الظاهرية حقيقة في الكلّ مجاز في البعض على القول بالمجاز، وهل التسامح في الإطلاق وإن وجد مخالف من مسالك العلماء، وهل هذا ينافي التحقيق العلمي الدقيق.
· ـ قال الحافظ في الفتح1/ 366 متعقبا ابن المنيّر حينما أطلق حكاية مذهب عن الشافعية: على أنّ في المسألة خلافا عندهم اهـ فلو لم يعب الحافظ إطلاق ابن المنير فلما تعقبه فالعالم لا يتعقب بلا مستند يراه.
ـ ومن دقة الحافظ العلمية قوله في موضع من فتحه2/ 263: وقال جمهور الشافعية: لو حلقت أجزأها ويكره وقال القاضيان ابو الطيب وحسين لا يجوزاهـ وهذا دليل على أنّهم يرون فرقا شاسعا بين الإطلاق والتقييد في باب عزو المذاهب
وقال في نسبة مذهب ح [2110]: وبه قال المالكية إلاّ ابن حبيب والحنفية كلّهم اهـ وقال في موضع ح [136]: وقال ابن بطّال وطائفة من المالكيّة اهـ وقال بعدها بأسطر: وقد صرّح باستحبابه جماعة من السّلف وأكثر الشافعية والحنفيّة اهـ وفي موضع آخر12/ 91 تجده يحكي قولا عن أبي ثور وأكثر أهل الظاهر ثمّ يقول بعدها: وخالفهم ابن حزم فوافق الجمهوراهـ ألا تراه اعتبر مخالفة ابن حزم واستثناه فعبّر بالأكثر جريا على المنهج العلميّ الدقيق في العزو.
وأصرح من ذلك قوله في موضع من فتحه ح [444] في بيان حكم تحية المسجد: واتفق أئمة الفتوى على أنّ الأمر في ذلك للندب ونقل ابن بطّال عن أهل الظاهر الوجوب قال الحافظ: والذي صرح به ابن حزم خلافه اهـ وهذا النقل ظاهر في المطلوب للمتأمّل
ـ والجزئيات في تقرير ذلك كثيرة متواترة تدل بمجموعها على قدر مشترك وهو: أنّ الجادة المسلوكة عند الحافظ وغيره من العلماء المحققين التدقيق في العزو وعدم إرسال الكلام على عواهنه وعلاّته وقولي: وغيره من العلماء المحققين إشارة إلى بعض من تتبعت جملة من نقولاتهم ومنهم صاحب عمدة القاري في مواضع ومن نقولاته قوله: وبه قال سائر الظاهرية ومنها وبه قال جميع الظاهرية، وفي موضع طائفة من الظاهرية، جماعة من الظاهرية، وبه قال جماعة من الظاهرية وبه قال ابن حزم.
ومن أصرح ما رأيت من كلامه ما قاله في مسألة:هل يجب الوضوء على الجنب إذا أراد النوم حيث قال ما نصّه: قلت: قد خالف ابن حزم داود في هذا الحكم
ـ ونراهم ينبهون على اختلاف الظاهرية فيما بينهم إذا لاح لهم ذلك قال الشوكاني في نيله: واختلفت الظاهرية فمنهم من أوجب الاستيعاب ومنهم من قال يكفي البعض اهـ
وفي الإحكام لابن دقيق: وخالف في ذلك داود وبعض أصحابه الظاهرية وخالف بعض الظاهرية ووافق الجماعةاهـ ومن دقة ابن دقيق قوله: والظاهرية خالفت فيه أو بعضهم اهـ
وانظر مثلا صاحب سبل السلام كيف يعتبر مخالفة ابن حزم ويقول: وإلى قتله ذهبت الظاهرية واستمرّ عليه ابن حزم اهـ وفي موضع: فأفرط جماعة من الظاهرية منهم ابن حزم ومن تبعه اهـ
¥