13 - وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله ? قال في الهرة ((إنها ليست بنجس، إنما هي من الطوافين عليكم)). أخرجه الأربعة وصححه الترمذي وابن خزيمة.
الشرح:
هذا دليل على أن الهرة ليست نجسة كالكلب، فإذا ولغت في الإناء لم ينجس.
فأبو قتادة رضي الله عنه كان معه إناء فجاءت هرة فأصغى لها الإناء حتى شربت فتعجبت كبشة بنت كعب بن مالك رضي الله عنها. فقال رضي الله عنه: أتعجبين يا ابنة أخي؟. قالت: نعم. فقال: إن رسول الله ? قال ((إنها ليست بنجس إنما هي من الطوافين عليكم والطوافات)) هذا تعليل الحكم، فبين عليه الصلاة والسلام أنه عفي عن نجاستها بسبب هذا الأمر وأنها تطوف على الناس وأنه يشق عليهم أن يتحرزوا منها. ولذا فكل ما كان كذلك فإنه يعطى مثل هذا الحكم فالذي يلابس الناس كثيراً ويشق التحرز منه فإنه يحكم بطهارته كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
وأما المذهب فإنهم يعللون بتعليل آخر يقولون: ما كان كالهرة فأصغر في الخلقة فإنه طاهر.
وهذا تعليل فيه نظر لأن الخلقة لا أثر لها في الحكم فهذه الفأرة إذا ماتت في الإناء فإنها تكون نجسة كما في حديث ميمونة في الفأرة التي وقعت في السمن قال عليه الصلاة والسلام ((ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم)) فالتعليل الذي يجب أن يعتبر هو ما علل به النبي ? ((إنها من الطوافين عليكم)).
فما كان يطوف على الناس كثيراً ويشق التحرز منه فإنه يحكم بطهارته مثل الحمار، فالحمار أصله نجس لكن عفي عن عرقه وريقه من أجل كثرة الملابسة، فالناس يحتاجون إلى الحمر يركبونها فيعرقون عليها، وليس كل من ركب الحمار يضع البرذعة أو شيئاً يحول بينه وبين الحمار، فالناس يحتاجون أن يركبوه ولا يكون بينهم وبينه حائل، وقد يصيبهم شيء من ريقه أو لعابه أو ما شابه ذلك فيكون محكوماً بطهارته.
كذلك ما يشق التحرز منه مثل بعر الفأر الذي يكون في الطعام فإن الفأر يكثر وروده على الناس فقد يكون له بعر في الطعام ويشق التحرز منه فإنه لا يضر يزال البعر ويؤكل الطعام ولا يضر.
أما إذا ماتت الفأرة فإنه لا يشق التحرز لأنها إذا ماتت يسهل إلقاؤها، ولكن إذا كانت حية فإنه يشق التحرز منها، يعني يشق على الناس أن ينظفوا بيوتهم من الفأر، لكن إذا ماتت الفأرة فإزالتها سهلة تزال هذه الفأرة وما حولها والذي يبقى ولم يتأثر بالنجاسة يكون طاهراً.
14 - وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي ?، فلما قضى بوله أمر النبي ? بذنوب من ماء فأهريق عليه. متفق عليه.
الشرح:
وهذا دليل على أن النجاسة في الأرض لا تحتاج إلى دلك أو إلى نقل للتراب أو ما شابه ذلك وإنما يكفي الصب، إذا وقعت النجاسة على التراب أو على الفرش فلا يحتاج إلى دلك الفرش أو عصرها أو تجفيف الماء وما شابه ذلك، وإنما يكفي أن يُصَبَّ عليها ماءٌ كثيرٌ يذهب بعين النجاسة فلا يبقى لها أثر.
فالنبي ? لم يأمر بنقل التراب، وما جاء من أحاديث أنه أمر بنقل التراب فإنها ضعيفة والثابت في الصحيحين أنه لم يأمر بذلك وإنما أمر بذنوب من ماء وهو الدلو فجيء به وصُب على بول الأعرابي.
أما إذا كانت النجاسة لها جرم كالعذرة وما شابه ذلك فإنه لا بد أن تنقل لأن الماء لا يزيلها، فإذا صُب عليها الماء فإنها تبقى فهذه لا بد أن تزال، أما إذا كانت النجاسة مائعة فإنه يكفي الصب عليها سواء كانت على التراب أو كانت على الفرش.
وهل هذا دليل على أن النجاسة لا تطهر بالشمس والتغير كما ذهب إليه بعض أهل العلم؟.
فالجواب: أن هذا ليس فيه دليل، وإنما فعل ذلك النبي ? من أجل التعجيل بطهارة هذه البقعة من المسجد لأن هذه البقعة يُحتاج إليها في الصلاة فالشمس تحتاج إلى وقت، فهذا الحديث لا دلالة فيه وإنما أمر النبي ? بالمبادرة من أجل تطهيره هذه البقعة سريعا لأن المسلمين يحتاجون إليها فإنهم سيصلون في هذه البقعة ولن ينتظروا حتى تطهر بالشمس.
¥