فالمني غليظ فإذا كان يابساً وحتَّه زال، فهذا يدل على أن المني طاهر، وهذا هو القول الصحيح وهذا هو الذي يوافق حكمة الله عز وجل، فالله سبحانه وتعالى جعل المني أصل هذا الإنسان المكرم فيبعد أن الله يخلق هذا الإنسان المكرم من مادة نجسة.
أما الذين يرون أنه نجس ويقولون إنه فضلة من الفضلات، فإن هذا لا يسلم. هذا قياس مع الفارق فالمني هو خلاصة الطعام وأما البول والغائط فهي فضلات الطعام ففرق كبير بين هذا وهذا ولا يمكن أن يقاس هذا على هذا.
وهنا فائدة أخرى وهي طهارة رطوبة فرج المرأة فالنبي كان يسلت المني من ثوبه بعود الإذخر، فهذا يدل على طهارة رطوبة فرج المرأة، وهذا أيضاً فيه خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنها طاهرة وأن المرأة لا يجب عليها غسل ما أصابته هذه الرطوبة لأن كثيراً من النساء تبتلى بهذه الرطوبة وتكون موجودة معها دائماً فيشق عليها غسل الملابس منها.
ووجه الاستدلال أن المني يختلط بهذه الرطوبة إذا جامع الرجل امرأته، فلو كانت نجسة لنجست المني ولم يكف فيه السلت ولوجب فيه الغَسل.
33 - وعن أبي السمح رضي الله عنه قال: قال رسول الله ? ((يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)) أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم.
الشرح:
حسنه البخاري أيضاً ودلت أحاديث أُخَر على أن نجاسة بول الغلام مخففة، فقد ثبت في الصحيحين أن صبياً بال في حجر النبي e فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله غسلاً كما ذكرت ذلك أم قيس رضي الله عنها فهذا يدل على أن نجاسة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام مخففة.
وجاء في حديث علي رضي الله عنه عند الترمذي قوله e (( بول الغلام الرضيع يُنضح)) فهذان قيدان: الأول الغلام، أي الذَكَر، والقيد الثاني الرضيع، فتكون نجاسة البول مخففة بشرطين أن يكون بول غلام، والشرط الثاني أن لا يأكل الطعام. فإذا اختل أحد الشرطين فنجاسته كالنجاسة العادية لا بد فيها من الغَسل.
والفرق بين الغَسل والنضح أو الرش أن النضح يؤخذ ماء أكثر من النجاسة فيُصَب عليها بدون دلك ولا عصر، وأما الغَسل فلا بد أن يدلك ويعصر، وهذه تسمى النجاسة المخففة.
فالنجاسة المخففة هي المذي وبول الغلام الذي لم يأكل الطعام، والنجاسة المغلظة هي نجاسة الكلب تُغسل سبع مرات، أما ما عداها فهي النجاسة المعروفة المتوسطة فالنجاسات ثلاثة أقسام.
وأما الجارية وهي الصبية الأنثى فإن بولها يُغسل ولو كانت صغيرة. واختلف العلماء في حكمة ذلك فذكروا أشياء ولكن ليس عليها دليل. فمن هذه الأشياء قولهم: إن الغلام يفرح به أبوه أو وليه فيحمله معه فيكثر بوله فيشق غسله، والأنثى لا يُفرح بها كثيراً ولا تُحمل كالذكر فلا يُشق غسل بولها.
وهذه استنباطات واجتهادات قد تكون موافقة للحكمة التي أرادها الله وقد لا تكون، فهذا الذي شرعه الله لنا فنقبله ونسلم به سواء علمنا الحكمة أم لم نعلمها.
وأما إذا كان الصبي يرضع الحليب الصناعي فإن الأقرب أنه يُغسل بوله، فالطفل الذي يرضع الحليب الصناعي هذا كالذي يأكل ليس هناك فرق بين أن يرضع حليباً صناعياً وبين أن يؤتى مثلاً بأرز ويطحن ويوضع في حلقه أو تمر يذاب ويشربه، إلا إذا كان شيئاً يسيراً تمرة أو تمرتين أذيبت في الماء فشربها أو شرب عسلاً مع الماء فهذا لا يضر، لأن العبرة بالأغلب وهذا شيء يسير فلا يضر، لكن الذي يتغذى باللبن الصناعي دائماً فإن هذا ليس هو حليب الأم فيكون كالذي يأكل الطعام.
إذاً فهذا الحكم خاص بمن يرضع من أمه أو نحوها.
34 - وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي ? قال في دم الحيض يصيب الثوب ((تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه)) متفق عليه.
الشرح:
هذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا أصاب ثوبه نجاسة فالواجب عليه غسلها وإزالتها. وفي هذا الحديث قال النبي ? لمن أصاب ثوبها دم الحيض قال: ((تحته)) وهذا أسرع في التطهير لأن دم الحيض إذا يبس صار له جرم على الثوب ((تحته)) أي تزيل هذا الدم بظفرها أو بشيء قبل الماء، لأنه إذا جاءه الماء تفرق وانتشر.
¥