ومن حيث التعليل: المسح مبناه علي التخفيف فلو مسحه ثلاث مرات فإنه يكون شبيهاً بالغسل، فإذا مسحه ثلاث مرات فإنه يبتل حتى يكون كالمغسول فالذي يظهر أن المراد بالمسح التخفيف لأنه يشق على الإنسان أن يغسل شعر رأسه، وبقاء الماء في الشعر قد يضره في أيام البرد ويشق عليه فالله عز وجل خفف ذلك وجعله مسحاً كما أن الخف يمسح مرة واحدة لأن المراد هو التخفيف.
فهذه هي صفة الوضوء يغسل كفيه ثلاث مرات ثم يتمضمض ويستنشق من كف واحدة لحديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه نصفها يتمضمض به والنصف الثاني يستنشق به فإن تمضمض من كف واستنشق من كف أخرى فلا بأس، لكن السنة أن يتمضمض ويستنشق من كف واحدة، ولم يثبت عن النبي ? أنه توضأ بكف واستنشق بكف آخر كما ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد.
والمضمضة والاستنشاق واجبان على القول الصحيح، أما الاستنشاق ففي الصحيحين قال ? ((إذا توضأ أحدكم فليستنشق بمنخريه من الماء ثم لينتثر)) يدخل الماء في منخريه لكن لا يدخله إلى الخياشيم لأن هذا يضره فيدخل الماء في منخريه ثم ينتثر، والسنة أن يدخله باليمين ويخرجه باليسار لحديث علي عند النسائي قال: كان ? يستنشق باليمين ويستثنر بيده اليسرى.
وأما المضمضة ففي حديث لقيط بن صبرة في رواية قال? ((إذا توضأت فمضمض)) فأمره النبي ? بالمضمضة، ثم إنه عليه الصلاة والسلام داوم على المضمضة والاستنشاق ولم ينقل عنه أنه توضأ بدونهما والله تعالى أمره بالوضوء وهذا الفعل مفسر للأمر فيكون على الوجوب. والأصل في الفعل الاستحباب إلا إذا كان تفسيراً لأمر، فهذا يدل على وجوب المضمضة والاستنشاق والسنة في الجميع ثلاث غسلات وتكفي الواحدة إذا أسبغت.
وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي ? توضأ مرة مرة وثبت أنه توضأ مرتين مرتين وثبت أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً كما في حديث عثمان رضي الله عنه.
وجاء في حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه أنه غسل وجههه ثلاثا ويديه مرتين ورجليه مرة، فهذا يدل على أنه لا بأس أن يتوضأ مرة في جميع الأعضاء أو مرتين في جميع الأعضاء أو ثلاثاً في الجميع أو ينوع في الوضوء الواحد ثلاث مرات مرتين مرة، فالأمر في هذا واسع، لكن السنة والأفضل والأكمل أن يكون ثلاثاً يغسل وجهه ثلاثاً ويديه إلى المرفقين ثلاثاً ثم يمسح برأسه ويغسل رجليه ثلاثاً فهذا أكمل ما يكون.
ولا يجوز الزيادة على الثلاث لقول النبي ? لما توضأ ثلاثاً ((هذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد تعدى وأساء وظلم)) رواه أبو داود، وفي رواية ((فمن زاد أو نقص)) ولكنها رواية ضعيفة لأن النقص جائز كما تقدّم. والصحيح ((فمن زاد فقد تعدى وأساء وظلم)) فيحرم الزيادة على ثلاث إلا إذا كان هناك سبب، كما لو كان في قدميه أو يديه أوساخ ولم تزل بالثلاث وزاد من أجل إزالتها فلا بأس لأنه لم يزد من أجل التعبد وإنما زاد من أجل التنظيف فلا بأس بذلك.
ومن هنا نعلم أن غسل الميت أكثر من ثلاث أنه ليس على سبيل التعبد وإنما للتنظيف لأنه جاء في حديث أم عطية رضي الله عنها في غسل زينت رضي الله عنها قال عليه الصلاة والسلام ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً)) وفي رواية ((اغسلنها ثلاثاً أو خمساً أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك)) متفق عليه. فهذا على حسب الحاجة فإذا كان الميت فيه أوساخ واحتيج إلى الزيادة زِيد.
ولذا قال بعض أهل العلم: إنه إذا تعذر تغسيله فإنه لا ييمم لأن الغسل هنا ليس لرفع الحدث وإنما للتنظيف والتيمم لا يحصل به التنظيف. فالمسألة فيها خلاف هل ييمَّم الميت عند عدم الماء أو عند العجز عن استعماله، كما لو كان الميت محترقاً وخيف أن يتقطع؟. والأقرب أنه لا ييمم لعدم الدليل ولأن تغسيل الميت من أجل النظافة وليس من أجل رفع الحدث.
38 - وعن علي رضي الله عنه في صفة وضوء النبي ? قال: ومسح برأسه واحدة. أخرجه أبو داود وأخرجه الترمذي والنسائي بإسناد صحيح. بل قال الترمذي: إنه أصح شيء في الباب.
39 - وعن عبدالله بن زيد بن عاصم رضي الله عنهما – في صفة الوضوء – قال: ومسح رسول الله ? برأسه فأقبل بيديه وأدبر. متفق عليه.
40 - وفي لفظ لهما: بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه.
الشرح:
¥