وهذا يدل على أن تخليل الأصابع والمبالغة في الاستنشاق من سنن الوضوء، وهذا يعم تخليل أصابع اليدين والرجلين لأن هذه أعضاء قد ينبو عنها الماء لا سيما إذا كان الماء قليلاً فيخللها ويتعاهدها، وفي المسند أن النبي ? كان يتعاهد المأقين وهو طرف العين الذي يلي الأنف، فهذا قد ينبو عنه الماء.
وكذلك في الغُسل يتعاهد السرة وما بين الإليتين ومصافط البطن وما شابه ذلك من الأجزاء التي قد ينبو عنها الماء ليتأكد أنه أوصل الماء إلى جميع الأعضاء، لأنه إذا بقي من الأعضاء شيء لم يصله الماء فالطهارة لا تصح ومن ثم لا تصح الصلاة. والنبي ? أمر الذي رأى في قدمه لمعة كالظفر لم يصبها الماء قال ((ارجع فأحسن وضوءك)) والحديث رواه مسلم، وفي رواية عند أبي داود فأمره أن يعيد الوضوء والصلاة لأنه صلى بوضوء غير صحيح فأمره أن يعيد الوضوء وأن يعيد الصلاة.
وقوله ((إلا أن تكون صائماً)) هذا يستفاد منه أن الصائم يفطر بما يدخل من أنفه، فقطرة الأنف والسعوط الذي يكون مع الأنف وما شابه ذلك يُفَطِّر، فالأنف منفذ يفطر الصائم بخلاف الأذن والعين فإنهما ليستا بمنفذ، فلو قطَّر في عينه أو أذنه لم يفطر ولو وجد طعمه في حلقه بخلاف الأنف، لأن النبي e جعله منفذاً حيث قال ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)).
لكن لو أن الصائم بالغ في الاستنشاق ودخل الماء فإنه لا يفطر لأنه لم يتعمد الفطر ولكنه آثم، وكذلك المضمضة.
46 - وعن عثمان رضي الله عنه أن النبي e كان يخلل لحيته في الوضوء. أخرجه الترمذي. وصححه ابن خزيمة.
الشرح:
وهذه الأحاديث قال بعض العلماء: إنها ضعيفة، فلا يُسن تخليل اللحية. وبعضهم ذهب إلى أنها بمجموعها تكون حسنة كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في تهذيب السنن وبيَّن أن هذه الأحاديث منها ما هو حسن وأنها إذا اجتمعت فإنه تتقوى بلا شك، فتكون دالة على مشروعية تخليل اللحية.
فإذا كانت اللحية خفيفة تشف البشرة فإنه لا بد من إيصال الماء إلى البشرة لأن البشرة إذا كانت تُرى فهي في حكم الظاهر، فلا بد فيها من الغَسل. وأما إذا كانت اللحية كثيفة والبشرة لا تُرى فإنه يكفي التخليل.
والتخليل يكون بأي طريقة إما أن يدخل الماء تحت الحنك كما جاء في حديث أنس عند أبي داود أو يبلل يده ويدخلها في الشعر، المهم أن يخللها بأي طريقة. وهذا التخليل سنة على الصحيح لعدم ذكره في حديث عثمان وعبدالله بن زيد رضي الله عنهما.
47 - وعن عبدالله بن زيد رضي الله عنه قال: إن النبي e أُتي بثلثي مد فجعل يدلك ذراعيه. أخرجه أحمد وصححه ابن خزيمة.
الشرح:
وهذا فيه استحباب تقليل الماء كما في حديث أنس في الصحيحين كان النبي e يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد، والمد هو ملء الكفين المعتدلتين، فلا ينبغي للإنسان أن يكثر من صب الماء ولو كان الماء كثيراً، فالسنة أن يقتصد في صب الماء لئلا يصل إلى الوسواس والإسراف.
ولا يقال: إن السنة أن لا يتوضأ بالصنابير وإنما يأخذ ماء بقدر المد أو قريباً منه ثم يتوضأ من الإناء، فهذا فيه تكلف وتنطع فيتوضأ من الصنابير ما دام أن الله يسرها ومنَّ بها فهي أيسر للإنسان، ولكن يقال: حتى لو توضأ من الصنابير فإنه لا يبالغ في صب الماء، وإنما يقتصد على قدر الحاجة.
وأما دلك الأعضاء فليس بواجب إلا إذا كان هناك سبب، كما لو كان في الشتاء والماء بارد وخشي أن ينبو الماء عن بعض الأماكن فإنه يدلك من أجل أن يتيقن وصول الماء إلى الأعضاء، كما قال عليه الصلاة والسلام ((ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره)) الحديث رواه مسلم.
فورد في هذا الحديث أن النبي e دلك، وجاءت أحاديث أخرى بدون ذكر الدلك فيكون الدلك من باب الكمال، إلا إذا كان هناك سبب كالأوساخ والطين ونحو ذلك فلا بد من الدلك حتى تزول ويصل الماء إلى البشرة. وأما ما عدا ذلك فالدلك سنة وليس بواجب، فالواجب إيصال الماء إلى البشرة إلا إذا رأى بقعاً فلا بد من غسلها.
48 - وعنه رضي الله عنه أنه رأى النبي e يأخذ لأذنيه ماء غير الماء الذي أخذه لرأسه. أخرجه البيهقي، وهو عند مسلم من هذا الوجه بلفظ: ومسح برأسه بماء غير فضل يديه، وهو المحفوظ.
الشرح:
¥