76 - وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ? قبَّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. أخرجه أحمد وضعفه البخاري.
الشرح:
هذا الحديث ضعفه البخاري، ولكن له شواهد وطرق يتقوى بها، ويشهد له حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي ? كان إذا أراد أن يسجد يغمزها فتكف قدمها ثم يسجد، فهذا يدل على أن مس المرأة لا ينقض الوضوء.
والتفريق بين ما إذا كان بشهوة أو بغير شهوة لا دليل عليه، فالأصل أن مس المرأة لا ينقض الوضوء هذا هو الصحيح، وأما قوله تعالى (أو لامستم النساء) المراد به الجماع كما فسره ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الله حيي يكني، وحتى قراءة (أو لمستم النساء) فإنها أيضاً ليست صريحة، فالمراد به الجماع.
وهذا هو الذي يوافق ظاهر القرآن فإن من تأمل الآية تبين له أن المراد به الجماع لأن الله تعالى يقول (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا) فأمر الله بالوضوء بالماء ثم أمر بالغسل، لما ذكر الوضوء قال سبحانه (وإن كنتم جنباً فاطهروا) فذكر الله الطهارتين طهارة الماء وطهارة التراب وذكر في طهارة الماء الحدثين الأصغر والأكبر، ثم في التيمم ذكر الحدث الأصغر في قوله (أو جاء أحد منكم من الغائط) ثم قال (أو لامستم النساء) فالأَولى حمله على الحدث الأكبر وهو الجنابة.
وهذا الذي يناسب بلاغة القرآن من أجل أن تدل الآية على أن التيمم يكفي في الحدثين الأصغر والأكبر (وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط) هذا الحدث الأصغر (أو لامستم النساء) هذا الحدث الأكبر (فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً).
فالصحيح أن مس المرأة لا ينقض سواء كان بشهوة أو بغير شهوة.
وحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي ? كان يغمز قدمها إذا سجد، بعضهم قال: إنه محمول على أنه يغمز قدمها من وراء الثياب والذين يرون النقض يرون أنه ينقض إذا كان مباشرة، لكن نقول: لو ثبت النص أنه ينقض لقلنا إن هذا محتمل، ولكن ليس هناك دليل على النقض، والآية ليست صريحة وابن عباس رضي الله عنهما فسرها بالجماع، والأصل أن الوضوء صحيح ولا يُنقض إلا بناقض بيِّن، فالعبادة إذا صحت بدليل لا تبطل إلا بدليل.
وحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي قبَّل بعض نسائه ولم يتوضأ له شواهد يتقوى بها، ويؤيده الحديث الثاني أن النبي ? كان يغمزها.
77 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ? ((إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) أخرجه مسلم.
الشرح:
هذا الحديث متفق عليه من حديث عبدالله بن زيد رضي الله عنه. وهذه قاعدة من قواعد الإسلام العظيمة أن اليقين لا يزول بالشك، إذا ثبت شيء بيقين فإنه لا يزول بالشك.
وهذا من رحمة الله بعباده أنه يسر عليهم وطرح عنهم الشكوك التي إذا تسلطت على العبد أفسدت عليه دينه ودنياه، فالله سبحانه وتعالى عفا عن عباده وسهل عليهم ورخص لهم فإذا أشكل عليه وتردد فإن الأصل أنه على طهارة، فقد يشكل على الإنسان مثلاً أنه خرج منه ريح أو خرج منه قطرات من البول أو ما شابه ذلك فهذا الشك لا يزول به اليقين ولو كان الشك قوياً، ما دام أنه لم يصل إلى حد اليقين فهو معفو عنه ولو كان في الواقع قد أحدث ولم يتقين وصلى وهو محدث فصلاته صحيحة، لأن العبرة بما في ظنه والله سبحانه لا يكلف نفساً إلا وسعها، فهذا الرجل لم تيقن الحدث فالله سبحانه وتعالى قد رخص له وعفا عنه هذا الشك سواء كان الشك واقعاً أو غير واقع.
وهذا يستفاد منه في أحكام كثيرة، فمثلاً إنسان شك في طهارة الفرش، فيقال الأصل فيها الطهارة ولا تبحث فما دام أنك لا تعلم أن فيها نجاسة فلا توسوس صلِّ ولا حرج، حتى ولو كان في البيت صبيان وقد يتبولون هنا وهناك فما دام أنه لا يرى فيها نجاسة فالأصل الطهارة.
ولو أن إنساناً يمشي في الشارع وأصابه ماء من ميزاب ولا يدري هل هو طاهر أو نجس فالأصل الطهارة ولا ينبغي له أن يبحث، أو أصابه ماء من الشارع فلا يبحث، فالأصل الطهارة ما لم يتقين النجاسة.
¥