وأما ألبان الإبل فقد جاء فيها حديث رواه ابن ماجه وحسنه بعض أهل العلم، والمشهور عند أهل العلم أنه لا يجب الوضوء من ألبان الإبل وإنما يستحب، فالأحوط له أن يتوضأ من ألبان الإبل ولكنه ليس بواجب، ويؤيد هذا حديث أنس رضي الله عنه في قصة العرنيين أن النبي ? أمرهم بشرب ألبان الإبل وأبوالها ولم يأمرهم بالوضوء. وحديث ابن ماجه فيه كلام فلا يقوى على الإيجاب، والأصل براءة الذمة.
مسألة: هل المرق مثل اللبن في الحكم؟.
الجواب: المرق فيه تفصيل إن كان فيه قطع وأجزاء من اللحم فإن هذا يُتوضأ منه، وإذا لم يكن فيه ذلك مجرد ماء فهذا أيضاً محل خلاف والأحوط أن يتوضأ إلا إذا اختلط بالطعام ولم يبق له طعم.
82 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي ? ((من غسَّل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ)) أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وحسنه، وقال أحمد: لا يصح في هذا الباب شيء.
الشرح:
هذا الحديث له طرق كثيرة ذكرها ابن حجر رحمه الله وقال: إن أقل أحواله أن يكون حسنا. فالحديث له طرق كثيرة تدل على أن له أصلاً وبعض هذه الطرق حسن لذاته فأقل أحواله أن يكون حسناً لغيره، فظاهر هذا الحديث أن من غسَّل الميت أنه يجب عليه أن يغتسل ((من غسَّل ميتاً فليغتسل ومن حمله فليتوضأ))، ولكن هذا الظاهر مصروف بما رواه البيهقي وقال ابن حجر بسند حسن قال ? ((إن ميتكم يموت طاهراً فبحسبكم أن تغسلوا أيديكم)) فهذا صارف للأمر بالغسل من الوجوب إلى الاستحباب فيكون الغسل من تغسيل الميت على سبيل الاستحباب، ويؤيد ذلك ما رواه الإمام مالك في الموطأ أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها لما غسلت أبا بكر وكان يوماً شديد البرد فسألت المهاجرين الذين اجتمعوا قالت: هل يجب عليَّ الغسل فإن البرد شديد وأنا صائمة؟. فأفتوها بأنه لا غُسل عليها. فلو كان هذا واجباً لعلمه أصحاب رسول الله ? فهم أفتوها بأنه لا يجب عليها الغسل.
وأما قوله ? ((ومن حمله فليتوضأ)) الحمل المراد به أن يحمل الميت نفسه وليس المراد حمل النعش ((ومن حمله فليتوضأ)) أي حمل الميت مباشرة ولمسه مباشرة فالذي غسَّله ولمس جسمه كله يغتسل والذي ساعد في حمله فإنه يتوضأ.
ولكن الوضوء ليس بواجب لأن النبي ? قال ((إن ميتكم يموت طاهرا فبحسبكم أن تغسلوا أيديكم)) وهذا عام، فإذا كان من غسَّله يكفيه غسل اليدين فمن حمله من باب أولى لأن التغسيل أعظم، فإذا كان لا يجب فيه إلا غسل اليدين فالحمل من باب أولى.
83 - وعن عبدالله بن أبي بكر رحمه الله أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله ? لعمرو بن حزم ((أن لا يمس القرآن إلا طاهر)) رواه مالك مرسلاً ووصله النسائي وابن حبان وهو معلول.
الشرح:
هذا الحديث له طرق كثيرة جاء من حديث عمرو بن حزم وجاء من حديث ابن عمر وغيرهما فله طرق كثيرة، وهو بمجموع هذه الطرق لا بأس به وعليه العمل، ولذلك لم يختلف أهل العلم في العمل بما في هذا الكتاب فإنهم قبلوا ما فيه من الديات وما فيه من الأحكام وعملوا به، فالصحابة رضي الله عنهم عملوا به والتابعون وتلقوه بالقبول. قال ابن المنذر رحمه الله: إن شهرة هذا الكتاب تغني عن سنده.
ولكن هذا لا يقبل على إطلاقه، فالشهرة وحدها لا تكفي ولكنه أراد يبين أن هذا الكتاب مشهور ومعروف عمل به الصحابة وعمل به السلف من بعدهم ولم يختلفوا أنه كتاب رسول الله ?.
وفي هذا الحديث ((لا يمس القرآن إلا طاهر)) قال بعض أهل العلم: إن المراد بالطاهر في هذا الحديث المؤمن، لأنه متطهر من الشرك فلا يمس القرآن إلا طاهر أي مؤمن.
ولكن هذا غير صحيح، فليس من عادة النبي ? أن يُعبِّر عن المؤمن بالطاهر، والكلام يحمل على ما يعرف من عادة المتكلم، فهذا الحديث نص في وجوب الوضوء عند مس المصحف.
والعلماء لهم تفاصيل في مس المصحف إذا كان فيه كلام آخر خلاصته أنه إذا كان فيه تفسير أو كلام آخر غير القرآن فإنه يُنظر فإن كان القرآن أكثر حرم مسه إلا بطهارة، وإن كان الكلام أكثر مثل كتب التفسير فإنه لا بأس لأن العبرة بالأكثر، وإذا تساويا فإنه قد اجتمع مبيح وحاظر فيغلب جانب الحظر.
¥