النبي e نهى عن هذه الأمور الثلاثة، الأول: قال ((لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول)) لأن حال البول مظنة النجاسة، فإذا أمسك ذكره بيمينه فقد تتلوث بالنجاسة واليمين مكرمة.
واختلف العلماء هل النهي عن مس الذكر باليمين خاص بحال البول أم أنه يعم حال البول وغيره؟.
فمنهم من قال: إنه يعم حال البول وغيره لأنه إذا نُهي عنه حال البول وقد يحتاج إن يمسكه بيمينه، فإنه في غير ذلك من باب أولى.
والقول الثاني: أنه خاص بحال البول لظاهر الحديث، ودعوى الحاجة غير مسلمة فيستغني بإمساكه باليسار عن اليمين.
والقول الثاني أقرب لعدم الدليل والأصل الإباحة. وأما ما يروى عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: ما مسست ذكري بيميني منذ بايعت رسول الله e ، فإنه لا يصح. وجاء أثر عن صحابي آخر وهو كذلك لا يصح.
والثاني: قال e (( ولا يتمسح من الخلاء بيمينه)) لأن اليمين مصونة عن هذه الأشياء المستقذرة فلا يجوز التمسح بها من الخلاء.
والثالث: قال ((ولا يتنفس في الإناء)) إذا شرب فلا يتنفس في الإناء وإنما يتنفس خارج الإناء. ولما قال رجل: يا رسول الله القذاة أراها في الإناء قال ((أهرقها)) فلم يرخص له في النفخ. قال: يا رسول الله إني لا أروى بنفس واحد قال فأبن القدح إذاً عن فيك، يعني أبعد الإناء ثم تنفس ثم ارجع. والحديث رواه الترمذي.
وأما حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين أن النبي e كان يتنفس في الشراب ثلاثاً ويقول ((إنه أروى وأبرأ وأمرأ)) وزاد أبو داود ((وأهنأ)) فمعناه أنه يشرب بثلاثة أنفاس يشرب ثم يبعد الإناء ويتنفس ثم يعود وهكذا، وهذا هو السنة.
واختلف العلماء هل هذا خاص بما إذا كان الإناء مشتركاً بينه وبين غيره أم أنه يعم حتى لو كان يشرب في إناء خاص؟.
منهم من قال: إن هذا النهي محمول على ما إذا كان الإناء عاماً لئلا يقذره على غيره، وقد يكون فيه شيء من الضرر.
والقول الثاني: أنه عام سواء كان الإناء خاصاً أو كان عاماً لأن الحديث عام.
وهذا القول أقرب أن الأصل العموم إلا إذا ثبت مخصص ولا نعلم مخصصاً لهذا النهي، ثم إن أهل الطب يذكرون أن التنفس في الإناء مُضِرٌّ حتى ولو كان من الشخص نفسه، إذا تنفس في الإناء أو نفخ في الطعام أو الشراب فإن هذا يضره ولو كان هو الذي يأكل أو يشرب وحده.
فهذا إن ثبت فهو مؤيد للعموم، فالأحوط للإنسان أن لا يتنفس في الإناء مطلقاً سواءً كان الإناء مشتركاً أو خاصاً ولا ينفخ في الطعام إذا كان الطعام حاراً، وإذا أراد أن يبرده فإنه يروِّح عليه بشيء ولا ينفخ فيه.
103 - وعن سلمان رضي الله عنه قال: لقد نهانا رسول الله e أن نستقبل القبلة بغائط أو بول أو أن نستنجي باليمين أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار أو أن نستنجي برجيع أو عظم. رواه مسلم.
104 - وللسبعة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ((ولا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها بغائط أو بول ولكن شرقوا أو غربوا)).
الشرح:
هذا الحديث نهى فيه النبي e من أراد قضاء الحاجة أن يستقبل القبلة أو أن يستدبرها تكريماً وتعظيماً للقبلة وقال ((شرِّقوا أو غرِّبوا)) وهذا بالنسبة لأهل المدينة لأن قبلتهم من جهة الجنوب فإذا شرَّق أو غرَّب يكون قد انحرف عن القبلة تماماً، وهذا يدل على أن الانحراف اليسير لا يكفي وأنه ما يزال في حكم القبلة وكذلك أيضاً يدل على أن الإنسان لو انحرف عن القبلة قليلاً أن صلاته صحيحة ما دام في الجهة.
وهل هذا محرم في البنيان وفي الصحراء أم أنه خاص بالصحراء؟.
هذا فيه خلاف، ومذهب ابن عمر رضي الله عنهما أن النهي خاص بالبنيان، روى أبو داود عن مروان بن الأصفر أنه كان مع ابن عمر رضي الله عنهما فعرض راحلته وبال مستقبل القبلة فقال مروان: أليس قد نُهي عن هذا؟. قال ابن عمر رضي الله عنهما: بلى إذا لم يكن بينك وبين القبلة شيء أما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس.
فهذا مذهب ابن عمر رضي الله عنهما وكأنه أخذ هذا من حديثه الذي في الصحيحين قال: رقيت على بيت حفصة فرأيت النبي e قاعداً على لبنتين مستقبلاً بيت المقدس لحاجته.
فيكون مستدبراً للكعبة فكأنه فهم أن النبي e فعل ذلك لأنه في البنيان.
¥