وفي حديث عمران بن حصين رضي الله عنه في الصحيحين قصة الرجل الذي لم يصلِ وأصابته جنابة أمره النبي e أن يتيمم ثم لما حضر الماء أعطاه ماءً وقال ((أفرغه عليك)) فلم يأمره بالوضوء، فدل على أنه إذا عمم جسده بالماء كفى ويرتفع الحدثان ولا حاجة أن ينوي رفع الأصغر ولا حاجة أن يتوضأ بعد الغُسل، ما دام أنه اغتسل بنية رفع الحدث الأكبر فإنه يصلي سواءً توضأ أم لم يتوضأ.
مسألة: لو اغتسل للجمعة وليس عليه جنابة فهل يجزئه عن الوضوء؟.
الجواب: من اغتسل للجمعة وليس عليه جنابة ولم يتوضأ فالظاهر أنه لا يكفي، فإذا اغتسل رجل للجمعة وعمم بدنه بالماء سواء تمضمض أم لم يتمضمض وليس عليه جنابة وإنما اغتسل للجمعة فقط، فالظاهر أنه لا يكفي في رفع الحدث، وغُسل الجمعة المراد به التنظيف لأن النبي e أمر أصحابه به لما وجد منهم الرائحة الكريهة.
مسألة: في هذا الحديث قالت عائشة رضي الله عنها في صفة غسل النبي e : فيغسل فرجه ثم يتوضأ. فهل يكفي غسل الفرج قبل الوضوء عن غسله أثناء الغُسل؟.
الجواب: نعم يكفيه غسل الفرج قبل الوضوء. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: يغسل فرجه حتى لا يحتاج إلى مسه بعد الوضوء لأنه لو مسه انتقض وضوؤه، فإذا غسله قبل أن يشرع في الوضوء فإنه لا يحتاج إلى أن يمسه أثناء الغُسل لئلا ينتقض وضوؤه.
مسألة: هل رد النبي e للمنديل يدل على أن عدم التنشيف سنة؟.
الجواب: هذا فيه خلاف، فهل يقال إن عدم التنشيف سنة أو أنه من الأمور العادية؟ الأقرب أنه من الأمور العادية لا يقال: إن التنشيف سنة ولا تركه سنة، وكون ميمونة رضي الله عنها جاءت بالمنديل فهذا يدل على أنه كان من عادته e أن يتنشف لكنه تركه هذه المرة لأمر من الأمور.
وجاءت أحاديث عند ابن ماجه عن سلمان رضي الله عنه أن النبي e توضأ ثم قلب جبة كانت عليه ومسح بها وجهه، لكن الحديث ضعيف، وله شواهد كثيرة.
فالمقصود أن الظاهر من هذه الأحاديث أن النبي e كان من عادته أن يتنشف لمفهوم حديث ميمونة وحديث سلمان وإن كان فيه ضعف، فالظاهر أنه كان أحياناً يتنشف وأحياناً لا يتنشف.
131 - وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد رأسي أفأنقضه لغُسل الجنابة؟ وفي رواية: والحيضة. قال ((لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات)) رواه مسلم.
الشرح:
بعض العلماء يرى أن المرأة يجب عليها أن تنقض شعرها لغُسل الحيضة، وحكموا على رواية مسلم هذه بأنها شاذة.
ولكن الصحيح أنه لا يجب لهذا الحديث، والأصل أنها ثابتة فهي زيادة من ثقة، وزيادة الثقة الأصل فيها أنها مقبولة.
وما استدلوا به على وجوب النقض إما صريح غير صحيح أو صحيح غير صحيح.
أما الصريح فهو ما رواه البيهقي وغيره من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً ((إذا اغتسلت المرأة من حيضها نقضت شعرها نقضاً وغسلته بخطمي وأشنان)) قال الهيثمي: فيه سلمة بن صبيح لم أجد من ذكره.
وأما الصحيح فهو حديث عائشة رضي الله عنها في الصحيحين لما حاضت في الحج أمرها النبي e أن تنقض شعرها وتمتشط، وفي رواية وتغتسل. فهذا ليس هو غسل الطهر من الحيض ولكنه نظافة لأجل الإحرام فلا دلالة فيه.
فإذا اغتسلت فإنها تدخل أصابعها حتى تبلغ شؤون رأسها كما في حديث أسماء بنت شَكَل رضي الله عنها في صحيح مسلم في غُسل الحيضة قال e (( تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شؤون رأسها ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسَّكة فتطهر بها)) فقالت أسماء رضي الله عنها: وكيف أتطهر بها؟ فقال ((سبحان الله تطهرين بها)) فقالت عائشة: كأنها تخفي ذلك تتبعين أثر الدم. تأخذ فرصة يعني قطعة قماش أو قطن ممسَّكة فيها مِِسْك تتبع بها أثر الدم، يعني تطيب الفرج وما حوله من أجل إزالة الرائحة الكريهة التي تكون من آثار دم الحيض.
فهذا هو غسل الحيض تخلل رأسها وتدلكه دلكاً شديداً حتى تبلغ شؤون رأسها من أجل أن يصل الماء إلى أصول الشعر، والشؤون: هي عظام الرأس. وفي رواية عند أبي داود من حديث أم سلمة رضي الله عنها قال e (( واغمزي قرونك عند كل حثية)) تغمزها حتى يدخل الماء إلى داخل الشعر.
¥