وأما قوله e لعمرو بن العاص رضي الله عنه ((أصليت بأصحابك وأنت جنب)) المراد أي فيما تعتقد لأن عمراً ليس عنده دليل صريح في هذه المسألة وإنما استنبط ذلك من قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم) وأقره النبي e على استنباطه، فالنبي e خاطبه بما يعتقد قال ((أصليت بأصحابك وأنت جنب)) أي في اعتقادك فقال يا رسول الله: ذكرت قول الله عز وجل (ولا تقتلوا أنفسكم) فخشيت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت. فالنبي e هو الذي صرح بأن الصعيد طهور فلا يمكن أنه يقول هو طهور مرة ومرة يقول ((أنت جنب)) فيكون قد قاله بناءً على اعتقاد عمرو رضي الله عنه.
مسألة: ماذا يترتب على القول بأن التيمم رافع وعلى القول بأنه مبيح؟.
الجواب: يترتب عليه أنه إذا كان مبيحاً فإنه لا بد أنه يتيمم لكل صلاة، يستبيح به هذه الصلاة فقط وإذا دخل وقت الصلاة الأخرى يتيمم مرة أخرى.
وأما إذا كان رافعاً فإن الحدث ارتفع ويصلي جميع الصلوات حتى يحدث أو يجد الماء.
ومما يتعلق بالتيمم هل يجزئ بأي جزء من أجزاء الأرض سواء كان صخوراً أو رملاً أو ما شابه ذلك من أجزاء الأرض؟.
هذا فيه خلاف، فبعض العلماء يرى أنه يجزئ بأي شيء من أجزاء الأرض لقوله تعالى (فتيمموا صعيداً) والصعيد هو ما تصاعد على وجه الأرض، ولا فرق بين أن يكون تراباً أو رملاً أو حصى أو ما شابه ذلك ما دام أنه من جنس الأرض.
والقول الثاني: أنه لا بد أن يكون تراباً له غبار، والفرق بين التراب والرمل أن الرمل هو الأحمر الذي لا غبار له والتراب هو الذي له غبار.
ودليل هذا القول حديث حذيفة في صحيح مسلم قال e (( وجعلت ترتبها لنا طهوراً إذا لم نجد الماء)) فالنبي e خص التراب فيكون الأول عاماً والثاني خاصاً.
ومنهم من نازع في هذه الاستدلال وقال: إن هذا ذكر لفرد من أفراد العام بحكم يوافق العام فلا يكون تخصيصاً للعام، كما لو قال: أكرم الطلبة، ثم قال: أكرم زيداً وهو من الطلبة فلا يُفهم منه أن يكرم زيداً فقط دون بقية الطلبة.
ولكن يقال: إن التراب لا بد أن له خاصية وإلا لما خصه النبي e مع أنه في مقام بيان الامتنان قال e (( فضلت على الأنبياء بست)) فمقام الامتنان يتطلب أن يذكر غاية ما يكون من المنة ومن النعمة، فالنبي e في مقام بيان الفضائل التي فضل الله بها تعالى هذه الأمة فهذا المقام يقتضي أن يذكر أعلى ما ورد من التفضيل، فلو كان الله أباح التيمم بكل شيء لما ناسب أن يقول ((وجعلت تربتها لنا طهوراً)) ولعمم فقال ((وجعلت لنا الأرض)). فدليل هذا القول فيه قوة، فالأحوط للمسلم أن لا يعدل عن التراب إذا وجده.
ومما يؤيد ذلك أن الله تعالى قال (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) و (من) الأصل أنها للتبعيض، أي بجزء منه وهو الغبار الذي يعلق باليد.
ولكن إذا لم يجد التراب فإنه يتيمم على حسب حاله ولا يُلزم بأن يحمل التراب معه، لأن التيمم مبناه على التيسير والتخفيف، فلو أُلزم بحمل التراب لصار فيه حرج ومشقة، والنبي e كان يسافر ويمر على أراضٍ مختلفة فيها التراب والحصى والرمل ولم يُنقل أنه حمل التراب معه وإنما يتيمم على حسب حاله.
مسألة: إذا دخل وقت الصلاة وليس عنده ماء فهل يجب عليه البحث عن الماء أم يصلي من غير بحث؟.
الجواب: إذا دخل الوقت وليس عنده ماء فلا بد أن يطلب الماء لقوله تعالى (ولم تجدوا ماء) فلا يقال للإنسان لم يجد الماء إلا إذا طلبه فيما حوله من غير مشقة.
وهذا يُرجع فيه إلى العرف، فمثلاً العشرة كيلو متر والعشرون على السيارة ليس فيها مشقة إذا كان الطريق معبداً، وغير المعبد قد تكون الخمسة فيها مشقة، فهو يختلف باختلاف الأحوال، والضابط المشقة فإذا وجدت تيمم.
فإذا طلب الماء ولم يجد فهل يصلي في أول الوقت أو يؤخر لعله يجد الماء لا سيما إذا غلب على ظنه أنه سيجد الماء في آخر الوقت؟.
¥